6 - أقسام المقاصد:
تنقسم المقاصد الشرعية باعتبارات ثمانية وهي:
1- باعتبار المصالح التي جاءت بحفظها.
2- باعتبار مرتبتها في القصد.
3- باعتبار الشمول.
4- باعتبار محل صدورها ومنشئها
5- باعتبار وقتها وزمن حصولها
6- باعتبار القطع والظن
7- باعتبار تعلقها بعموم الأمة وأفرادها
8- باعتبار حظ المكلف وعدمه
القسم الأول:
أقسام المقاصد باعتبار المصالح التي جاءت بحفظها:
تنقسم المقاصد بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1ـ الضروريات 2) الحاجيات 3) التحسينيات والمكملات.
أولا: الضروريات:
1 - تعريفها: هي ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا وبفواتها يحصل الفساد والخسران في الدارين.
وقيل في تعريفها: هي المصالح التي تتضمن حفظ مقصود من المقاصد الخمسة وهي حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب.
2ـ أدلة اعتبارها والمحافظة عليها شرعاً:
أ) الاستقراء لأدلة الشريعة فإنها ترجع جميعا إلى حفظ هذه المقاصد الخمسة.
ب) الأدلة التفصيلية فبعضها شمل جميع هذه المقاصد مثل قوله تعالى:(قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم....) الآيات الأنعام 151، وبعضها يشمل أفراداً منها كما سيأتي تفصيلاً.
3ـ تفصيلها: وهي خمسة أقسام:
حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسب
1) حفظ الدين:
وحفظ الدين يكون من جانبين:
الأول: جانب الوجود: بالمحافظة على ما يقيم أركانه ويثبت قواعده وذلك بالعمل به والحكم به والدعوة إليه والجهاد من أجله والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.
الثاني: من جانب العدم: وذلك برد كل ما يخالفه من الأقوال و الأعمال ومن أهم من يتوجه عليه ذلك العلماء والحكام، فالعلماء هم حراس الشريعة وحماتها والحكام هم المنفذون لأحكام الله في أهل الأهواء والبدع الخارجيين عن الدين ومن أعظمها قتل المرتد وقتالهم كما فعل الصديق.
2) حفظ النفس:
والمقصود بها النفس المعصومة بإسلام أو أمان أو جزية أو عهد، ومما شرع لحفظ النفس ما يلي:
1 ـ تحريم الاعتداء عليها.
2 ـ سد الذرائع المؤدية إلى القتل.
3 ـ القصاص.
4 ـ ضرورة إقامة البينة في قتل النفس.
5 ـ ضمان النفس إما بقصاص أو دية فلا يذهب دمه هدرا.
6 ـ تأخير القصاص إذا خشي الضرر بالغير كالقصاص من الحامل.
7 ـ العفو عن القصاص من باب استبقاء نفس القاتل والحرص عليها.
8 ـ إباحة المحظورات عند الضرورة وغير ذلك مما شرع لحفظها.
9 – وجوب إقامة النفس بالطعام والشراب.
3) حفظ العقل:
وهذا أمر متفق علية في بداهة العقول وقد جاءت الشرائع بالمحافظة عليه وذلك معلوم من كثرة النصوص في ذكره وكونه مناط التكليف وتحريم ما يفسده سواء كانت مفسدات حسية كالخمور والمخدرات وما شابهها أم من المفسدات المعنوية من تصورات فاسدة وأفكار هدامة وبدع ومحدثات وغيرها.
4) حفظ النسب ( النسل):
وقد تكلم أهل العلم في هذه الضرورة حول ثلاثة مقاصد وهي حفظ النسب والنسل والفرج، ويعتبر حفظ النسل من الانقطاع أهمها وحفظ النسب مكمل له وأما حفظ الفرج فمنهم من جعله من حفظ النسب ومنهم من جعله مقصدا مستقلاً وقيل غير ذلك.
حفظ النسل من الركائز الأساسية في الحياة ومن أسباب عمارة الأرض وفيه تكمن قوة الأمم وبه تكون مرهوبة الجانب عزيزة القدر تحمي دينها ونفوسها وتصون أعراضها وأموالها وعناية الشريعة بحفظ النسل من جانبين:
الأول: جانب الوجود وذلك بالحث على النكاح والترغيب فيه ونكاح المرأة الولود وإباحة التعدد.
الثاني: جانب العدم بمنع ما يقطعه كلية أو يقلله أو يعدمه بعد وجوده سواء في ذلك ترك النكاح و الإعراض عنه أو منع الحمل أو ممارسة الإجهاض ومما يدخل في حفظ النسب أو النسل حفظ العرض.
5) حفظ المال:
إذا المال عصب الحياة وقيام مصالحها قال سبحانه:( ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) النساء 5، والحاجة إليه ماسة للفرد والجماعة خاصة إذا كان المقصود من المال كل ما يتموله الإنسان من متاع أو نقد أو غيره وليس خاصا بالنقدين فالمال لازم لتوفير متطلبات الشخص الخاصة به وبأسرته وكذلك حاجة الأمة العامة وكذلك الدفاع عن دين الله واستغناء الأمة عن أعدائها وتسلطهم عليها لفقرهم ومقصود المال هو قيام مصالح الدين والدنيا وليس المفاخرة به وكنزه وحصول المباهاة. وحفظه من جانبين:
الأول: من جانب الوجود، وذلك بالحث على الكسب والعمل في سائر أصناف المداخل المباحة.
الثاني: من جانب العدم وذلك بالمحافظة على المال بعد الحصول عليه بدرء الفساد الواقع عليه أو المتوقع بتحريم الاعتداء على المال وتحريم إضاعته وتبذيره وتحريم الربا والرشوة وإقامة حد السارق والمحارب والتعزير وضمان المتلفات وتوثيق الديون والإشهاد عليها وتعريف اللقطة وحفظ الودائع وأداء الأمانات وغير ذلك.
ترتيب المقاصد السابقة:
أولا: تقديم الدين على غيره من الكليات وهذا مذهب جمهور الأصوليين إذ هو غاية خلق الجن والإنس و به سعادة الدنيا والآخرة.
ثانيا: ترتيب الضروريات الأخرى: تقديم النفس على غيرها من الضروريات الأخرى، وقد اتفق الأصوليون الذين رتبوا هذه المقاصد على تقديم النفس على بقية الأمور الأخرى.
ثالثاً: تقديم بقية الأمور على قولين:
الأول: بين النسل والعقل فقدم الآمدي وابن الحاجب وغيرهما قدموا النسب على العقل وقدم ابن السبكي وصاحب مراقي السعود العقل على النسب قال في المراقي:
دين ونفس ثم عقل نسب مال إلى ضرورة ينتسب
الثاني: في الترتيب بين العرض والمال فقدم بعضهم العرض وقيل العكس والذي يظهر أن العرض على قسمين:
- منه ما يرجع إلى حفظ النسب فهذا مقدم على المال.
- ومنه ما لا يرجع إلى حفظ النسب كشتم الإنسان بغير القذف كوصفه بالبخل والظلم فهذا لا يقدم على المال.
ثانيا: الحاجيات:
1 - تعريفها:
هي ما كان مفتقرا إليها من حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوات المطلوب.
والمقصود أنها إذا لم تراع دخل على المكلفين من الحرج والمشقة والعنت ما يشوش عليهم عباداتهم ويعكر صفو حياتهم ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد واختلال نظام الحياة وتعطيل المنافع الحاصل من الضروريات.
2 - أدلة رفع الحرج والمشقة:
الأدلة كثيرة جداً في القرآن والسنة وعلى سبيل المثال قوله تعالى:( وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج 78، وقوله تعالى:( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة 185، هذا من حيث العموم، وأما من حيث الخصوص فأحكام التيسير المعروفة في أبواب الفقه كإباحة التيمم عند تعسر الماء للمريض والمسافر وسائر الرخص المعروفة في المعاملات من رهن وسلم وإجارة وغير ذلك.
3 - غاية وجود المقاصد الحاجية:
تتلخص مقاصد الحاجيات في الأمور التالية:
1- رفع الحرج عن المكلف لسببين:
الأول: الخوف من الانقطاع عن الطريق ونقص العبادة وكراهة التكلف ودخول الفساد على الناس.
الثاني: خوف التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد.
2- حماية الضروريات بدفع ما يمسها ويؤثر فيها.
3- خدمة الضروريات بتحقيق ما به صلاحها وكمالها إذ يلزم من اختلال الحاجي اختلال الضروري بوجه ما.
4- تحقيق مصالح أخرى كاستثناء القيام للصلاة في حق المريض والفطر في السفر والجمع بين الصلاتين في السفر والصلاة في البيت للخوف والمطر ونحوه مما فيه تحقيق بعض المصالح.
ثالثا: التحسينيات:
1 - تعريفها: قال الشاطبي رحمه الله هي الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تألفها العقول الراجحات ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق.
وقال الرازي رحمه الله: هي تقرير الناس على مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم.
2 - أقسامها:
تنقسم التحسينيات إلى قسمين:
الأول: ما لا يقع في معارضة قاعدة شرعية:
ولذلك أمثلة منها:
أ ـ تحريم النجاسة فإن نفرة الطباع عنها لخساستها مناسب لتحريمها فشرب البول حرام وكذا الخمر حرام، ورتب الشارع الحد على الثاني دون الأول لنفرة النفوس منه فوكلت إلى طباعها، مع أن نفور النفس لا يقتضي التحريم، وإنما المرجع إلى الشرع.
ب ـ إزالة النجاسة لأنها مستقذرة في الجبلات واجتنابها من المهمات وبقاؤها أمر يأنف منه العقلاء وبالجملة فكل ما يرجع إلى طهارة الثوب والبدن والمكان في الصلاة وخارجها مما دعا إليه الإسلام قال تعالى:(إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) البقرة 222.
ج ـ أخذ الزينة كما في قوله تعالى:(يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) الأعراف 31، والمقصود ستر العورة كما هو معلوم في سبب نزولها لكن أخذ الزينة أعم من ستر العورة.
د ـ آداب الأكل والشرب سواء كانت سابقة أو مقارنة أو لا حقه كالتسمية قبله و الأكل باليمين والحمد والثناء بعده وهذه من العادات الحسنة.
هـ ـ في باب المعاملات كالمنع من بيع النجاسات لأنة يستلزم مباشرتها ووزنها وكيلها ونحوه مما لا يليق وبيع فضل الماء لأنه مشعر بالبخل والأنانية وهما لا يليقان بالمسلم ومنع المرأة من مباشرة عقد النكاح لأنه مشعرٌ بقلة الحياء وتوقانها إلى الرجال مما قد يجعل الرجل يرغب عنها من ذلك حملاً للخلق على أحسن المناهج وأجمل السير.
الثاني: ما يقع في معارضة قاعدة شرعية:
ومثاله: المكاتبة فإنها غير محتاج إليها إذ لو منعت لم يحصل بذلك ضرر ولكنها شرعت لما فيها من تكريم بني آدم وفك الرقبة وهو مستحسن عادة.
- وجه مخالفة المكاتبة للقواعد الشرعية:
أن العبد مال لسيده وما يكسبه مال لسيده أيضاً فتكون المكاتبة أن يبيع السيد ماله بماله فلو حكم على المكاتبة بالقاعدة الجارية في نظائرها وهي امتناع بيع الإنسان ماله بماله لحكم بعدم الجواز لعدم الفائدة لأنه يمتلك ما يملك بما يملك وهو تحصيل حاصل لأنه عبث خال عن الفائدة ينزه عنه العاقل.
ومن جهة أخرى أن البيع لا بد فيه من وجود عاقدين حقيقية أو حكما ولا وجود هنا إلا لواحد
فائدة:.
الذي يظهر أن هذا ليس فيه مخالفة للقواعد المقررة فكل ما ظهر فيه مخالفة فهو عائد إلى قاعدة أخرى فالكتابة كما قال شيخ الإسلام ليست مخالفة للقياس ولا للقواعد الكلية لأن العبد اشترى نفسه بمال في ذمته والسيد لا حق له في ذمة العبد ولا في إنسانيته وإنما حقه في مالية العبد فإذا اشترى نفسه بمال في ذمته كان كسبه ونفعه له. مقاصد الشريعة عند شيخ الإسلام.
3 ـ أهمية المصالح التحسينية:
تظهر أهميتها من الوجوه التالية:
1 ـ أن بها جمال الأمة وكمالها وحسن أخلاقها وبديع نظامها.
2 ـ أن التحسينيات تخدم الضروريات والحاجيات سواء كانت قبلها أو مقارنة لها أو بعدها.
3 ـ أنه يلزم من اختلال التحسيني اختلال الحاجي بوجه ما.
4 ـ أن التحسينيات كالفرع للأصل الضروري ومبنية عليه لأنها تكمل ما هو حاجي أو ضروري.
رابعاً: المكملات:
1 ـ تعريفها: ما يتم به المقصود أو الحكم من الضروري أو الحاجي أو التحسيني على أحسن الوجوه وأكملها سواء بسد ذريعة تؤدي إلى الإخلال بالحكمة بوجه ما، أم بتكميله بحكم يظهر به المقصد ويقوى به.
وهذا ما يسمى عند الأصوليين بالمكملات أو التتمات أو التوابع.
2 ـ أقسامها:
المكملات على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مكملات الضروريات: وهي ما يتم بها حفظ مقصد ضروري ومثالها:
1 ـ تحريم البدع وعقوبة المبتدع حفظاً للدين.
2 ـ التماثل في القصاص تكميلا لحكمة القصاص على أحسن الوجوه وأتمها فتنتفي المفاسد وتتحقق المصالح لأن عدم التماثل سبب الأحقاد والعداوات وتوارث العصبية.
3 ـ تحريم القليل من المسكر تكميلاً لتحريم المسكرات لحفظ العقل.
4 ـ تحريم النظر إلى الأجنبية لأنه مقدمة للزنا وداعية إليه وكذلك تحريم الخلوة بالأجنبية.
5ـ الإشهاد في البيوع والرهن تكميلاً لحفظ المال من الضياع وكذلك كتابة الدين والضمان ونحوه.
القسم الثاني: مكملات الحاجيات: وهي ما يتم بها حفظ مقصد حاجي ومثالها:
1) اعتبار الكفء ومهر المثل في الصغيرة فإن مقصود النكاح حاصل بدونها لكن اشتراط ذلك أشد إفضاءً إلى دوام النكاح وتكميل مقاصده.
2) خيار البيع مع أن الملك حاصل بدونه لكن ما ملك بعد التروي والنظر في أحواله أتم وأقوى لبعده عن الغبن والتدليس.
القسم الثالث: مكملات التحسينيات: وهي ما يتم بها حفظ مقصد تحسيني و مثالها:
مندوبات الطهارة من البدء باليمين والغسل ثلاثاً ونحوه ففيه زيادة تحسين وتكميل لأصل الطهارة مع أن أصل التحسين يحصل بالطهارة كيفما كانت.
3 - وظيفة المكملات:
يمكن تلخيص وظيفة المكملات في الأمور التالية:
1ـ سد الذريعة المؤدية إلى الإخلال بالحكمة المقصودة من الضروري أو التحسيني كما في تحريم القليل من المسكر.
2 ـ تحقيق مقاصد أخرى تابعة غير المقصد الأصلي كاشتراط الكفارة ومهر المثل السابق تحقيقاً للمحبة والوئام بين الزوجين.
3 ـ دفع مفاسد أخرى حاصلة في طريق الحصول على المقصد الأصلي وقد سبق بيانها في اشتراط المماثلة في القصاص.
4 ـ تحسين صورة المكمل وجعله سائراً على المألوف.
4 - شرط المكمل:
يشترط في المكمل ألا يعود على أصله بالإبطال فكل تكملة عادت على أصلها بالأبطال فلا يصح اشتراطها لأن إبطال الأصل إبطال للتكملة ولأن حصول الأصلي أولى مثال ذلك:
1) حفظ النفس من الضروريات وحفظ المروءات مستحسن فحرمت النجاسات حفظاً للمروءات وإجراءاً لأهلها على محاسن العادات فإن دعت الحاجة إلى إحياء النفس بتناولها النجاسات كان تناولها أولى ولا نحرمها من باب حصول التحسينيات.
2) البيع ضروري ومنع الجهالة مكمل فلو اشترط نفي الضرر جملة لا نحسم باب البيع فلا بد من إباحة بعض الضرر اليسير الذي لا يؤثر.
3) حفظ النفس مع ستر العورة فلا يضر كشفها عند الحاجة للدواء حفظا للنفس وإلا أدى إلى إبطال الأصل.
4) الجهاد ضروري وشرط عدالة الإمام مكمل فلو ترك الجهاد بسبب ظلمه تعطل الأصل لذا قال العلماء بالجهاد مع أئمة الجور حتى لا يؤدي إلى ضرر عظيم بالمسلمين فيبطل الأصل ومثله الصلاة خلف أئمة الجور.
5 - أثر اختلال كل من الأصل والتكملة على الآخر:
- أثر اختلال الأصل على التكملة:
إذا اختل الأصل أدى ذلك إلى اختلال الفرع ومثال ذلك ارتفاع القصاص يرفع الفرع وهو المماثلة في القصاص وإذا سقط عن المغمى عليه أو الحائض أصل الصلاة سقطت الوسيلة من طهارة وقراءة إلا في إحدى حالتين:
أ) إذا كان للوسيلة اعتباران فمن جهة هي مقصودة ومن جهة هي وسيلة كالوضوء وقراءة القرآن في الصلاة.
ب) إذا كانت الوسيلة وسيلة لمقصد آخر كالوضوء إذا ارتفعت الصلاة ولا يرتفع لكونه وسيلة لمقاصد أخرى كتلاوة القرآن ومس المصحف والطواف.
ـ أثر اختلال التكملة على الأصل: لها حالتان:
الأولى: أن تختل بإطلاق: أي لا يأتي المكلف بشيء منها أو يأتي بشيء يسير منها فيؤدي ذلك إلى اختلال الأصل بوجه ما لأن الجرأة على ترك الوسيلة والمكمل ربما أدى إلى الجرأة على الأصل ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه فالمكمل كالنافلة للفرض ومجموعة المكملات فرد من أفراد الأصل وخادم له.
الثانية: أن تختل التكملة بوجه ما حيث يأتي بالمكمل ويدع بعضه بوجه ما ويكون ما أتى به أكثر فهذا لا يقدح بالأصل ولا يدخل الخلل عليه.
القسم الثاني:
أقسام المقاصد باعتبار مرتبتها في القصد:
تنقسم المصالح بهذا الاعتبار إلى قسمين:
الأول: مقاصد أصلية:
وهي التي لا حظ فيها للمكلف وترجع إلى حفظ الضروريات وقسم الشاطبي رحمه الله تعالى الضروريات إلى قسمين:
1 ـ ضروريات عينية: وهي الواجبة على كل مكلف في نفسه فهو مأمور بحفظ دينه ونفسه وعقله وماله ونسله، وإن حصل له حظ فمن جهة أخرى تابعة لهذا المقصد الأصلي.
2 ـ ضروريات كفائية وهي التي بها قيام المصالح العامة واستقامة نظام المجتمع.
الثاني: مقاصد تابعة:
وذلك أن كل مقصد أصلى لا يخلو من مقصد آخر إما أن يكون باعثاً على تحقيقه أو مقترناً به أو لاحقاً له سواءً من جهة الأمر الشرعي أو من جهة المكلف ومقصده في مجارى العادات.
ـ من جهة الأمر الشرعي:
وذلك كتوقف المقصود الأصلي على تلك المقاصد التابعة من حيث حصولها فتكون بمثابة الشرط والسبب أو الجزء بالنسبة للمقصود الأصلي، وذلك كالصلاة فطلبها يقتضي طلب كل ركن وشرط يتوقف صحتها عليه.
ـ من جهة قصد المكلف:
وهو ما يقصده المكلف من المقاصد في الأمر الشرعي فما يتحقق له من المقاصد تبعاً قد يكون مقصود للشارع وقد لا يكون كالنكاح فقد يتزوج المرأة للنسل أو للجمال أو المال ونحوه، وقد خص الشاطبي رحمه الله تعالى المقاصد التابعة بالمقاصد التي روعي فيها حظ المكلف دون ما يتعلق بالضروريات والمصالح العامة فهذه مقاصد أصلية.
وفي باب العبادات جعل ضابطها المنافع الدنيوية أما المنافع والفوائد الأخروية فهي من المقاصد الأصلية كالانقياد والخضوع لله تعالى.
أقسام المقاصد التابعة:
تنقسم المقاصد التابعة باعتبار تأكيدها للمقاصد الأصلية إلى ثلاثة أقسام:
الأول: ما يقتضي تأكيد المقاصد الأصلية وتقويتها وربطها والوثوق بها وحصول الرغبة فيها فهذا القسم مثبت للمقاصد الأصلية ومقوٍ لحكمتها ومستدعٍ لطلبها وإدامتها ومثاله النكاح فهو مشروع للتناسل على القصد الأول ويليه السكن والازدواج والتعاون على المصالح الدنيوية والأخروية من الاستمتاع بالحلال ونحوه مما يؤدي إلى رغبة كل من الزوجين في الآخر وحصول النسل وهذه تعتبر مقصودة للشارع لأنها تؤكد المقصود الأصلي.
الثاني: ما يقتضي زوال المقاصد الأصلية عيناً ومثاله نكاح التحليل والمتعة فهما يقتضيان زوال المقصود الأصلي من النكاح عيناً الذي هو النسل ودوام النكاح فهذه ممنوعة.
الثالث: ما لا يقتضي تأكيداً ولا يقتضي رفع المقاصد الأصلية وذلك كنكاح القاصد لمضارة الزوجة أو لأخذ مالها ونحوه مما يقتضي مواصلة ولا يقتضي عين المقاطعة إذ لا يلزم من قصد المضارة وقوعها ولا وقوع الطلاق لجواز الصلح أو الحكم على الزوج أو زوال قصد المضارة. فهذا القسم متردد بين القسمين وهو من جهة يلحق بالأول من وجه وبالثاني من وجه آخر وهذا محل اجتهاد ونظر.
الفروق بين المقاصد التابعة والأصلية:ـ
من أهم الفروق بين المقاصد الأصلية والتابعة ما يلي:
1- أن مراعاة المقاصد الأصلية موافقة ومطابقة لمقصود الشارع إذ أن قصده إخراج المكلف من داعية هواه حتى يكون عبداً لله بخلاف التابعة فهي من حظوظ المكلف ومحصلة لمراده.
2- مراعاة المقاصد الأصلية أقرب إلى الإخلاص وصيرورة العمل عبادة وأبعد عن مشاركة الحظوظ والأغراض الدنيوية وذلك لأن مراعاة مقصود الشارع والمصالح العامة لا يقوم به إلا من ابتغى وجه الله تعالى وهذا بخلاف من يعمل لمصلحته الشخصية وإن كان ذلك يتحصل له من مطابقة الأمر الشرعي، لكنه فرق بين من يصوم لحفظ صحته ومن يصوم تعبداً ومن يصوم للأمرين.
3- أن البناء على المقاصد الأصلية يصير تصرفات المكلف عبادات ولو كانت عادات وذلك أن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا وعمل بمقتضى ذلك فهو يعمل حينما يطلب منه العمل و العكس.
4- أن البناء على المقاصد الأصلية ينقل الأعمال في الغالب إلى أحكام الوجوب إذ المقاصد الأصلية دائرة على حكم الوجوب من حيث كانت حفظاً للأمور الضرورية في الدين بينما التابعة هي من المباحات.
5- العمل على وفق المقاصد الأصلية يتضمن تحقيق كل ما قصده الشارع في الأمر من جلب المصالح ودرء المفاسد فإذا راعاه المكلف حصلت المصالح العامة التي أرادها الشرع بخلاف من يعمل لحظ نفسه فإنه يقتصر على مصلحته الخاصة فإذا حصلت لم يلتفت إلى سواها.
6- العمل على وفق مقصد الشارع وتحقيق ما يريد يصير الطاعة أعظم وإذا خولفت كانت معصيتها أعظم فتحصيل المصالح العليا للشرع من أعظم المقاصد وتضييعها من أخطر الأمور، والعامل وفق المقاصد الأصلية يعمل على إصلاح جميع الناس والدفع عنهم وهكذا من يعمل على مخالفتها فهو بالعكس كابن آدم الأول فهو أول من سن القتل ولذا كانت الأجور تختلف باختلاف رتب المصالح فأجر الإمام الأعظم أفضل من أجر المفتي والحاكم لما يجلبه من المصالح ويدرؤه من المفاسد بخلاف أئمة الجور فهم أسوأ الناس لما يجلبوه من المفاسد.
7- المقاصد الأصلية هي الأصل والتابعة كالخادم والمكمل والمقوي لحكمتها والداعي إليها حيث جعل الله تعالى وهو أحكم الحاكمين قيام الدين والدنيا إنما يستمر بدواع من قبل الإنسان تحمله على اكتساب ما يحتاج إليه هو وغيره فالحاجة إلى الطعام والشرب والشهوة إلى النساء ونحوه تجعله يعمل للوصول إلى ذلك فتتحقق المصالح العامة.
8- أن المقاصد الأصلية واجبة ولو على الكفاية أما التابعة فالأصل أن حكمها الإباحة إلا إذا كانت وسيلة فلها حكم المتوسل إليه.
9- أن المقاصد الأصلية تأكد طلبها بخلاف التابعة فلم يتأكد فيها الطلب كالمقاصد الأصلية لأن الناس مجبولون على نيل حظوظهم فاكتفي الشارع بالدافع الطبعي عن الأمر الشرعي ولم يؤكدها إلا إذا تعلق بها حق للغير.
القسم الثالث:
أقسام المقاصد باعتبار الشمول:
تنقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام وهي:
1) المقاصد العامة 2) المقاصد الخاصة 3) المقاصد الجزئية
أولاً: المقاصد العامة:
1) تعريفها: هي الغايات و الأهداف التي جاءت الشريعة بحفظها ومراعاتها في جميع أبواب التشريع ومجالاته.
2) شروطها: يرى محمد بن عاشور للمقاصد العامة الشروط الآتية:
1. أن تكون ثابتة بمعنى أن تحقيقها للمصلحة مجزوماً به أو مظنوناً ظناً قريباً من الجزم.
2. أن تكون ظاهرة أي واضحة لا يختلف في تحديدها والاعتداد بها.
3. أن تكون منضبطة أي لها حد معتبر لا يتجاوزه ولا يقصر عنه.
4. الاطراد فلا تختلف باختلاف الأقطار والأعصار.( مقاصد ابن عاشور 171).
3) أنواعها: هي مقاصد كثيرة ومنها:
المقصد الأول: جلب المصالح ودرء المفاسد:
1) تعريفه:
المصلحة كالمنفعة وزنا ومعني، والصلاح هو الخير والصواب في الأمر والمفسدة ضد المصلحة وهي الشر والضر والمقصود بها كما يقول الغزالي - رحمه الله تعالى -: (هي عبارة عن جلب منفعة أو دفع مفسده)، والمقصود بذلك: المصلحة التي تحافظ على مقصود الشرع وليس أي مصلحة فمصالح الخلق فيما بينهم كثيرة.
2) شمول هذا المقصد:
مقصد جلب المصلحة ودرء المفسدة هو أعم مقصد من مقاصد الشريعة وكل ما عداه فهو داخل تحته غير خارج عنه لما يلي:
أ ـ عموم لفظ المصالح والمفاسد فالشريعة جاءت بكل خير ومنفعة ونهت عن كل شر وضر وفساد.
ب ـ أن المقصود بالمصالح هنا مصالح الدنيا والآخرة وعليه فمقصود الأحكام الشرعية وخلق الخلق عبادة الله وهي من جلب المصالح في الدنيا و الآخرة من سعادة وطمأنينة القلب وراحة البال في الدنيا والفوز برضوان الله والجنة في الآخرة وهذا هو أسلوب القرآن حيث يرتب على العبادة من مصالح الدنيا كقوله تعالى:( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) العنكبوت 45، وقوله تعالى:( قد أفلح المؤمنون..) إلى قوله: ( أولئك الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) المؤمنون 1 - 11، وعلى هذا فالتيسير ورفع الحرج ودفع المشقة كله داخل تحت قاعدة طلب المصالح.
3) أقسام المصلحة ثلاثة: 1 ـ معتبرة وهي التي دل الشرع على اعتبارها
2 ـ ملغاة وهي التي دل الشارع على إلغائها
3 ـ مرسلة وهي التي لم يرد فيها دليل اعتبار ولا إلغاء
من أهم الضوابط للمصالح المطلوبة شرعاً ما يلي:
1) أن تكون المصلحة شرعية: أي أن يكون تحديد كونها مصلحة معتبر شرعا لا أن تحدد بحسب الأهواء قال الشاطبي - رحمه الله -: إن المصالح التي تقوم بها أحوال العبد لا يعرفها حق معرفتها إلا خالقها وواضعها وليس للعبد بها علم إلا من بعض الوجوه والذي يخفى عليه أكثر من الذي يبدو له فقد يكون ساعيا في مصلحة نفسه من وجه لا يوصله إليها أو يوصله عاجلاً لا آجلاً أو يوصل إليها ناقصة لا كاملة أو يكون فيها مفسدة تربو في الموازنة على المصلحة.
أدلة ذلك:
أ) أن الشريعة جاءت لإخراج المكلفين من دواعي أهوائهم حتى يكونوا عباداً لله وهذا المعنى إذا ثبت لا يجتمع مع وضع الشريعة على وفق أهواء النفوس وطلب منافعها العاجلة.
ب) أن عامة المنافع والمضار إضافية لا حقيقية أي أنها منافع أو مضار في حال دون حال وبالنسبة لشخص دون شخص وفي وقت دون وقت فقد يكون الشيء منفعة في زمن، مضرة في زمن آخر أو مضرة لشخص منفعة لآخر فلو كانت تتبع أهواء النفوس لكانت مطلوبة في كل حال وفي حق كل شخص.
ج) أن الأغراض في الأمر الواحد تختلف بحيث إذا نفذ غرض بعض وهو منتفع به تضرر آخر لمخالفة غرضه فحصول الاختلاف في الأكثر يمنع أن يكون وضع الشريعة على وفق الأغراض وإنما يناسب وضعها على وفق المصالح مطلقا وافقت الأغراض أو خالفتها.
2) أن مصلحة الدين أساس للمصالح الأخرى ومقدمة عليها وعليه فيجب التضحية بما سواها مما يعارضها من المصالح الأخرى، أي إلغاء كل مصلحة تعارض الدين إذ هو أساس المصالح فالدين أصل والمصلحة فرع عنه فلا يكون الدين تابعاً لمصالح الناس وأهوائهم وهو لا يضيع مصلحة معقولة أبداً إلا إذا عارضها ما هو أعظم مفسدة منها وعليه فهنا أمران تجب مراعاتهما:
الأول: عدم جواز بناء حكم على مصلحة إذا كان في ذلك مخالفة لنص كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس صحيح.
الثاني: لا يصح للخبرات العادية والموازين العقلية التجريبية أن تستقل وحدها بفهم المصالح فلا يجوز الاعتماد على ما يراه علماء الاقتصاد أن الربا لابد منه لتنشيط الحركة التجارية ولا الاعتماد على ما يقوله علماء النفس من أن الجمع بين الجنسين في مرافق المجتمع يهذب من الخلق ويخفف من الشهوة والميل إلى الجنس الآخر وإلا كانت الشريعة محكومة بخبرات الناس وعاداتهم تابعة غير متبوعة، بل هي الميزان الصحيح لكل مصلحة ولا يعني ذلك أن الشريعة أهملت ما فيه مصلحة الناس أو أهملت النظر في خبرات الناس وتجاربهم وتقرير ما يرونه مصلحة فإن الشريعة لم تهمل ذلك بل جعلت له مجالا معينا وهو:
أ) عند فقد النص الشرعي وعدم معارضة المصلحة للنصوص فتبنى المصلحة حينئذ على ما تعارفه الناس.
ب) أن يكون ذلك في حدود العادات والمعاملات لا في مجال العبادات لأنها موقوفة على النص.
3) المصلحة المعتبرة شرعا هي المصلحة الغالبة في حكم الاعتياد وكذلك المفسدة، فإذا كانت المصلحة غالبة عادة فهي المعتبرة في الأمر و إذا كانت المفسدة هي الغالبة في العادة فهي المقصود في النهي وهكذا فالمقصود هو ما غلب في المحل وما سواه ملغي ومن ضوابط المصلحة المرسلة أيضاً:
أ) ملاءمتها لمقاصد الشريعة.
ب)عدم معارضة النصوص من الكتاب والسنة والإجماع.
ج)عدم تفويت مصلحة أهم منها.
د)أن تكون في باب المعاملات.
هـ)أن تكون عامة.
تعارض المصالح والمفاسد:
أ) تعارض المصالح:
إذا اجتمعت عدة مصالح فإن للمجتهد فيها المسالك التالية:
الأول: تحصيل جميعها إذا أمكن ذلك فهو أولى من تحصيل البعض وتفويت البعض.
الثاني: إذا لم يمكن تحصيلها جميعاً قدم أهمها و أكملها وأشدها طلباً للشارع.
الثالث: الترجيح بينها عند ذلك كما إذا تساوت أو أشكل على المجتهد أمرها كالتالي:
1- النظر إلى ذات المصلحة فالضرورية مقدمة على الحاجية والحاجية على التحسينية..وهكذا.
2 - النظر إلى شمول المصلحة فتقدم المصلحة العامة على الخاصة.
3- النظر إلى مدى توقع حصول المصلحة وعدمه فما كانت قطعية في وقوعها مقدمة على الظنية الوقوع.
ب) تعارض المفاسد:
وبنفس الطريقة السابقة تنعكس على المفاسد فإن أمكن تفويتها جميعاً فهو أولى وإلا فإنه يدرأ أعظمها ضرراً وأشدها فساداً وهكذا، وذلك بناءً على القواعد التالية:
القاعدة الأولى:ـ(تقديم المفسدة المجمع عليها على المفسدة المختلف فيها)
القاعدة الثانية:ـ(إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما)
القاعدة الثالثة:ـ(يتحمل الضرر الخاص بدفع الضرر العام) قال العز بن عبد السلام- رحمه الله تعالى (فإن تساوت فقد يتوقف وقد يتخير).
ج) تعارض المصالح والمفاسد:
إذا حصل تعارض بين المصالح والمفاسد فإننا نسلك الطرق التالية:
1- أن يمكن تحصيل المصلحة ودرء المفسدة فهو أولى.
2 - أن تكون المصلحة كبرى والمفسدة صغرى فتحصل المصلحة وتتحمل المفسدة كالجهاد.
3- أن تكون المصلحة صغرى والمفسدة عظمى فتدرأ المفسدة وتفوت المصلحة كالربا.
4- عند التساوي فإن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
المقصد الثاني:( التيسير ورفع الحرج):
وهو من المقاصد المقطوع بها في الشريعة وهو من المقاصد العامة في جميع نواحي الشريعة ويتلخص الكلام على هذا المقصد في النقاط التالية:
1- تعريف رفع الحرج: الحرج لغة الضيق والشدة
وفي الاصطلاح: كل ما يؤدي إلى مشقة زائدة في البدن أو النفس أو المال حالاً أو مآلاً، والمقصود برفع الحرج إزالة ما يؤدي إلى المشقة.
2- أدلة رفع الحرج في الشريعة:
أ) قوله تعالى:(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة 6.
ب) وقوله تعالى:(وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج 78.
ج) وقوله تعالى:(ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج) التوبة 91، وغيرها كثير.
د) قوله صلى الله عليه وسلم:(إن هذا الدين يسر) خ، وأمثاله كثير.
هـ) التتبع والاستقراء لنصوص الشريعة يدل دلالة قطعية على هذا المقصد.
3- مظاهر رفع الحرج في الشريعة:
إن السمة البارزة في أحكام الشريعة اليسر والسهولة وهذا الأمر يزداد وضوحا بالوقوف على المظاهر التالية:
أ) أن الله تعالى وضع عن هذه الأمة الإصر والأغلال التي كانت على من قبلهم( ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) الأعراف 157.
ب) أن الله تعالى لم يكلفهم ابتداءً مالا يطيقون(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) البقرة 286.
ج) شرعية الرخص في الأحوال الطارئة التي تقع فيها مشقة غير معتادة لسبب عارض كالسفر أو المرض، وهي على سبعة أقسام:
1- تخفيف إبدال كإبدال الوضوء والغسل بالتيمم والقيام بالقعود في الصلاة والصيام بالإطعام.
2- تخفيف تقديم كالجمع بين الصلاتين وتقديم الزكاة على الحول والكفارة على الحنث
3- تخفيف تنقيص كتخفيف الصلاة عن المسافر.
4- تخفيف إسقاط كإسقاط الجمعة والحج والعمرة والجهاد لأصحاب الأعذار.
5- تخفيف تأخير كتأخير الصلاة وتأخير صيام رمضان للمريض والمسافر.
6- تخفيف ترخيص كصلاة المستجمر مع بقية أثر النجو.
7- تخفيف تغيير كتغيير نظم الصلاة في الخوف.
4) شمول رفع الحرج للعبادات والمعاملات وغيرها:
فالأصل في المنافع الحل والأصل في التعامل بين الناس الإباحة وكذلك ما ورد من الاستثناءات الشرعية كالإجارة والسلم والعرايا ونحوه مراعاة لحاجة الناس ورفع الحرج عنهم.
5 - تنبيهات وضوابط في رفع الحرج:
1- الشارع لم يقصد التكليف بالشاق والإعنات فيه.
2- المشقة المصاحبة للتكاليف الشرعية يلاحظ عليها أربعة أمور:
الأول: أنها مشقة عادية يمكن تحملها والاعتياد عليها بل يقطع أرباب العقول والعادات أن المنقطع بسببها كسلان ويذمونه بذلك.
الثاني: أن هذه المشقة ليست مقصودة للشارع لذاتها بل لما في ذلك من المصالح العائدة على المكلف كالطبيب يقصد الشفاء بالدواء المر.
الثالث: أن هذه المشقة لا توجب الترخيص ولا أثر لها في إسقاط العبادات.
الرابع: أن الله عز وجل يثيب المكلف على تلك المشقة وإن كان لا دخل له في اكتسابها كما يثيبه على المصائب، قال تعالى(ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله...) التوبة 120.
3- أن المشقة غير العادية ليست لازمة للعبادة ولكن قد تلحق بها لعارض من مرض أو سفر فهذه توجب التخفيف وهذه وضع لها العلماء قاعدة:( المشقة تجلب التيسير)، وهناك مقاصد عامة أخرى كعبادة الله والعدل والاجتماع والائتلاف.
ثانياً: المقاصد الخاصة:
وهي الغايات الخاصة بباب من أبواب الشريعة أو أبواب متحدة لمقصد العبادات والمعاملات والجنايات وهذه أمثلة لها:
أ) مقاصد العبادات: الخضوع لله تعالى والتوجه إليه والتذلل بين يديه وحصول الانقياد لأمره ونهيه وعمارة القلب وحسن الصلة به.
ب) مقاصد المعاملات: تحقيق مصالح العباد وتكميل بعضهم بعض وتوفير حاجاتهم ودفع المشقة عنهم.
ج) مقاصد الجنايات والحدود: التكفير لأصحابها كما في حديث عبادة:( فمن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو كفارة له) وكذلك حصول الزجر عن اقترابها ومعاودتها.
ثالثاً: المقاصد الجزئية:
وهي الغايات المتعلقة بمسألة معينة دون غيرها كالوضوء والصلاة والإجارة والسلم ونحوه، وقد لقي هذا النوع عناية فائقة من أهل العلم واستقصاء ذلك قد يطول ولكن من شاء الاطلاع على ذلك في مظانها فليراجعها في الكتب التالية:
1- كتب الفقه وشروح الأحاديث فكثيراً ما تشير إلى الحكمة من حكم من الأحكام ومقصد جزئي منه.
2- كتب المصالح مثل كتاب العز بن عبد السلام ومختصر المقاصد ومقاصد الصوم والصلاة، وكتب شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ونحوها.
3- الكتب المؤلفة في محاسن الشريعة والبحث عن حكمتها ومن أمثلتها:
أ) محاسن الإسلام لمحمد بن عبد الرحمن البخاري.
ب) حجة الله البالغة للدهلوي.
ج) حكمة التشريع وفلسفته للجرجاني.
القسم الرابع:
باعتبار محل صدورها ومنشئها:
وهي على قسمين:
1. مقاصد الشارع: وهي التي قصدها الشارع من وراء أمره ونهيه، وهي الغايات الحميدة والأهداف العظيمة التي أراد الله حصولها من جلب المصالح ودرء المفاسد
2. مقاصد المكلف: وهي الأهداف التي يقصدها المكلف من اعتقاداته وأفعاله، والتي تميز بين القصد الصحيح والفاسد، وبين العبادة والعادة. انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية 123.
القسم الخامس:
باعتبار وقتها وزمن حصولها:
وهي قسمان:
1. المقاصد الأخروية: وهي ترجع إلى تحصيل مصالح تتعلق بالآخرة أولاً في الغالب ولا يمنع أن تؤدي إلى مصالح دنيوية كالتعارف في الحج والنهي عن الفحشاء والمنكر في الصلاة والتكافل والمحبة في الزكاة والفوائد الصحية وغيرها في الصيام
2. المقاصد الدنيوية: وهي ما ترجع إلى مصالح تتحقق وتوجد في الدنيا، أو دفع مفاسد كذلك وهي المذكورة في التقسيم الأول. انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية(124).
القسم السادس:
باعتبار القطع والظن:
وهي ثلاثة أقسام:
1. مقاصد قطعية: وهي التي تواترت على إثباتها طائفة عظمى من الأدلة الشرعية كالتيسير ورفع الحرج وإقامة العدل والضروريات الخمس.
2. مقاصد ظنية: وهي التي تقع دون مرتبة القطع وتختلف حولها الأنظار كتحريم القليل من النبيذ الذي يغلب على الظن إفضاؤه إلى الإسكار، وتطليق زوجة المفقود وضرب المتهم بالسرقة للإقرار وتوريث المطلقة ثلاثاً في مرض الموت.
3. المقاصد الوهمية: وهي التي يتوهم أن فيها مصلحة أو دفع مفسدة والحقيقة أنها خلاف ذلك، ومثالها: المصلحة الموهومة في الربا والاختلاط بين الجنسين. انظر مقاصد الشريعة عند شيخ الإسلام( 131).
القسم السابع:
باعتبار تعلقها بعموم الأمة وأفرادها:
وهي على ثلاثة أقسام:
1. مقاصد كلية: وهي ما تتعلق بالخلق كافة ويعود نفعها على عموم الأمة كحفظ القرآن والسنة من التبديل، وإقامة العدل وتقرير مكارم الأخلاق، وقتل المبتدع الداعي إلى بدعته إذا غلب على الظن ضرره.
2. مقاصد أغلبية: وهي التي تتعلق بأغلب الخلق وتدفع الفساد عن معظمهم مثل تضمين الصناع وحفظ المال في المصارف الإسلامية والعلاج في المستشفيات ونحوه.
3. مقاصد خاصة أو فردية: وهي العائدة على فرد معين وربما في حالة نادرة مثل مصلحة فسخ نكاح زوجة المفقود وانقضاء عدة من تباعدت حيضتها بالأشهر وتوريث المطلقة ثلاثاً في مرض الموت. انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية( 132)
القسم الثامن:
باعتبار حظ المكلف وعدمه:
وهي على قسمين:
1. مقاصد أصلية: وهي التي لا حظ فيها للمكلف كالضروريات الخمس، ومعنى عدم حظه فيها أنه ملزم بحفظها رغماً عنه والدليل أنه لو فرض اختيار العبد خلاف ذلك لحجر عليه وحيل بينه وبين اختياره، وهي مقاصد ضرورية عينية وكفائية.
2. مقاصد تبعية: وهي التي روعي فيها حظ المكلف أي يحصل له بها ما جبل عليه من نيل الشهوات والتمتع بالمباحات وسد الخلات.انظر مقاصد الشريعة عند شيخ الإسلام( 133)
فائدة: ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – بعض المقاصد الشرعية غير الضروريات الخمس ومنها ما يأتي:
1) مخالفة المشركين وعدم التشبه بهم: فقد ذكر أن مخالفة أهل الكتاب والأعاجم قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة، وأدلة ذلك معروفة من الكتاب والسنة والإجماع، وبالنظر في تلك الأدلة يتضح أن النهي عن التشبه بالمشركين ووجوب مخالفتهم يدخل ضمن حفظ الدين من جانب العدم.
2) مخالفة الشياطين ومن لم يكمل دينه، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم:(إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل ويشرب بشماله) روه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم:( لا يغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء وهم يعتمون بالإبل) روه مسلم، ولكن يظهر أن هذا المقصد كالذي قبله.
3) خلق السماحة والصبر والشجاعة والكرم لأن ذلك سبب الإمامة في الدين، والنصوص في هذا كثيرة، وهذا المقصد يرجع إلى المكملات للضروريات.
4) الائتلاف وعدم الاختلاف وهذا أصل وقاعدة من قواعد الدين العظمى وقد كثرت حوله الأدلة من الشرع والعقل والواقع وهذا المقصد العظيم يدخل ضمن الوسائل والمكملات لمقصد الضروريات.
5) الدعوة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله والتعاون، وهذا المقصد راجع إلى حفظ الدين من حيث الوجود.
6) العدل وعدم الظلم، وقد قسم ابن تيمية – رحمه الله تعالى – الشرائع إلى ثلاثة أقسام: شريعة عدل فقط، وشريعة فضل فقط، وشريعة تجمع الأمرين فتوجب العدل وتندب إلى الفضل، وهي شريعة القرآن(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) البقرة 280، فهذا عدل واجب يستحق تاركه العقوبة ثم قال:(وأن تصدقوا خير لكم) البقرة 280، فهذا فضل مستحب، وهذا المقصد راجع إلى حفظ الضروريات لكونه وسيلة إليها ومكملة لها.
7) مخالفة الهوى حتى يصير عبداً لله طوعاً ، والنصوص في مخالفة الهوى كثيرة معلومة، ويظهر أن هذا المقصد راجع إلى حفظ الدين.
وهذه المقاصد السبعة كما يظهر أنها من المقاصد العظيمة في الدين، وقد كثرت النصوص الشرعية حولها أمراً بها وبما يؤدي إليها، ونهياً عن ضدها وما يفوِّتها، وكل منها يستحق الدراسة والتوضيح بشكل مستقل.
7 - خصائص المقاصد وقواعدها:
أولاً: خصائص المقاصد:
وتنقسم إلى قسمين:
1) الخصائص الأصلية. 2) الخصائص الفرعية
أولاً الخصائص الأصلية:
وهي التي يترتب عليها خصائص أخرى ومن أهم هذه الخصائص:
1- الربانية: ومعناها أن مقاصد الشريعة منزلة من عند الله تبارك وتعالى فهي ربانية المصدر وهذا وحده كاف لبيان عظمتها وأهميتها ومكانتها فهي من عند الله العليم الحكيم الذي يعلم طبائع النفوس وميولها ونزعاتها وهذا يجعلها في غاية الكمال والإتقان والإحكام ومن هنا يتضح الفرق بين أحكام البشر ومقاصدهم وأحكام الشريعة ومقاصدها إذ لا تخلو مقاصد البشر على فرض القصد من النقص لما يصاحب الإنسان من المؤثرات زماناً ومكاناً وفقراً وغنىً وثقافةً ومكانةً.
الخصائص المترتبة والمتفرعة من هذه الخاصية:
أ) خاصية العموم والاطراد.
ب) خاصية الثبات.
ج) خاصية العصمة من التناقض.
د) خاصية البراءة من التحيز والهوى.
هـ) خاصية القدسية أو الاحترام.
و) خاصية الضبط أو الانضباط.
2- خاصية مراعاة الفطرة وحاجة الإنسان:
أولاً: المقصود بالفطرة هنا: الجبلة التي خلق الله الناس عليها وجبلهم على فعلها.
ثانيا: موقف الشريعة من الفطرة: يمكن تلخيص موقف الشريعة من الفطرة في النقاط الآتية:
أ _ الشريعة موافقة للفطرة لأن الشريعة من عند خالق الفطرة( ألا يعلم من خلق) تبارك 14.
ب _ الشريعة منظمة للفطرة وواضعة للحدود والضوابط الكفيلة باستقامتها والمحافظة عليها وعدم انحرافها قال تعالى:(فطرة الله التي فطر الناس عليها) الروم 30، فأكثر المفسرين على أن المقصود بذلك الإسلام وأن الفطرة هنا هي الإسلام.
ومن الأمثلة والأدلة على ذلك ما يأتي:
ـ تشريع النكاح لما في الفطرة من الميل إليه.
ـ تشريع التملك وإباحته لما في الفطرة من حب التملك وكل ذلك بضوابط وحدود.
ثالثا: أثر مراعاة الفطرة في مقاصد الشريعة يتجلى ذلك من وجهين:
الأول: أن مقاصد الشريعة جاءت بالمحافظة على الفطرة وكل ما يعد حفاظا عليها وتحذيراً من خرقها فهو واجب وخلافه محرم وما لا يمسها مباح وعلى ذلك يفسر محافظة الشريعة على الضروريات والحاجيات والتحسينيات وغير ذلك فكله من مراعاة الطبيعة البشرية وفطرتها.
الثاني: أن المحافظة على الفطرة وعدم مصادمتها أكسب مقاصد الشريعة خصائص مهمة من الثبات والعموم والاتزان ونحوه لأن فطرة الناس واحدة في كل زمان ومكان (لا تبديل لخلق الله) الروم 30.
ثانياً:الخصائص الفرعية:
1) خاصية العموم والاطراد:
معناها:
العموم: بمعني الشمول لجميع أنواع التكليف والمكلفين والأحوال والأزمان والأماكن.
والاطراد: ألا تكون تلك المقاصد مختلفة باختلاف الأحوال والأقطار والأزمان بل هي محققة لمصالح العباد في كل زمان ومكان دون اختلال.
فائدة:
1- مقاصد الشريعة ليست متجهة لتحقيق جانب دون آخر بل تشمل جميع جوانب الحياة الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها لسعة علم واضعها وحكمته.
2- الأنظمة والقوانين البشرية تتسم بالقصور والتناقض وذلك لقصور واضعها واتجاهه لتحقيق جانب معين عند وضعها ونسيان بقية المواضع.
مثال: العدل في نظام الإسلام وضعت الشريعة وفيها مقصد تحقيق العدل لكن بمعناه الشامل سواءً في الحكم بين الناس أم بين الزوجات أم بين الأولاد أم غير ذلك بخلاف الأنظمة فهي تراعي جانب من هذه الجوانب على خلل وضعف.
2) خاصية الثبات:
معناها: أن المقاصد الشرعية ثابتة لا تزول ولا تتغير ولا تتبدل بتغير الأزمان والأماكن والأحوال فالواجب يظل واجباً دون تغير والسبب يظل كذلك والأركان تظل أركاناً دون تبديل وهكذا بقية مقاصد الشريعة، ولذا بعد استقرار الشريعة وكمالها لا تجد فيها نسخاً ولا تقييداً ولا تخصيصاً ولا رفعاً لحكم من أحكامها.
3) خاصية العصمة من التناقض:
معناها: أن مقاصد الشريعة متناسبة متوافقة غير متنافرة ولا مختلفة ولا متناقضة وهي سمة بارزة في نصوص الشريعة أيضاً، فتجد التوافق والانسجام في النصوص نتج عنه أيضاً توافق وتناسب في المقاصد لأن تناقض النصوص هو تناقض مدلولاتها وتعارض مقاصدها.
4) خاصية البراءة من التحيز والهوى:
معناها: أن الشريعة مبنية على قصد العدل والتوسط والاعتدال وجلب المصالح لجميع البشر وبشتى فئاتهم وطبقاتهم غنيهم و فقيرهم حاكمهم ومحكومهم فهي تحقق المصالح وتدرأ المفاسد عن جميع البشر دون محاباة فليس فيها تكاليف تحابي الأغنياء والأقوياء وأخرى تهضم المساكين والضعفاء، فأركانها وأحكامها وأسبابها تشمل جميع الناس.
5) خاصية القداسة والاحترام:
معناها: أن للشريعة قداسة واحترام ليست للقوانين الوضعية فهي محفوظة سراً وعلانية للأمور التالية:
أ _ أن الله تعالى تولى حساب البشر بنفسه ومهما اختفى الإنسان عن أنظار الناس فإنه يعلم أن الله يراه ويسمعه ويعلم سره ونجواه فيقوم واعظ عليه من داخل نفسه و كيانه فيستعظم أمر معصية الله تبارك وتعالى.
ب _ أن المسلم يعلم أنه إن سلم من العقوبات الدنيوية فلن يسلم من العقوبات الأخروية إلا أن يشاء الله بل إن عقوبة الآخرة أعظم.
ج _ أنه يجد في الشريعة ما يحقق له جميع المصالح على أكمل الوجوه وأتمها فهي جديرة بالاحترام لما يرى من الشقاء والبلاء عند المخالفة فداعي العقل والفطرة يدعو إلى التمسك بها فضلاً عن داعي الشرع.
6) خاصية الضبط والانضباط:
معناها: أن مقاصد الشريعة لها حدود وضوابط لا تتجاوزها ولا تقصر عنها فهي مضبوطة بضوابط وقيود من شأنها أن تجعلها في اعتدال وتوسط سواء في جانب فرض العبادات أم في جانب المعاملات والحدود فهي تكاليف وشرائع تحقق المصالح دون زيادة أو نقصان وهذا بخلاف ما يوجد في أنظمة البشر من القصور والمبالغة في القوانين.
وهذا الضبط في مقاصد الشريعة يحقق أمرين:
الأول: أن يخلصها ويبعدها عن الإفراط والتفريط ويضفي عليها سمة التوسط والاتزان.
الثاني: أنه يجعلها سهلة التطبيق لأن لها حدود وشروط وضوابط بخلاف ما لو كانت مفهومات عامة ومقاصد غير مضبوطة بضوابط فإن هذا يؤدى إلى اضطراب في فهمها ومن ثم في العمل بها.
ثانياً: قواعد المقاصد:
هذه القواعد هي بمثابة التلخيص لما سبق ذكره من القواعد والضوابط والكلمات الجامعة في باب المقاصد ويمكن جعلها على قسمين:
الأول: قواعد عامة:
ويمكن تلخيصها في القواعد التالية:
1- جاءت الشرائع لمصالح العباد فالأمر والنهي والتخيير بينهما راجع إلى حظ المكلف ومصالحه.
2- الشارع وضع الشريعة على اعتبار المصالح باتفاق.
3- تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق وهي حفظ الضروريات والحاجيات والتحسينيات.
4- اشتمال الشريعة على مصلحة جزئية في كل مسألة و مصلحة كلية في الجملة.
5- الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بحفظها خمسة وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
6- الضروريات مراعاة في كل ملة وإن اختلفت أوجه الحفظ وهكذا يقتضي الأمر في الحاجيات والتحسينيات.
7- المراتب الثلاث الضروريات والحاجيات والتحسينيات كليات تقضي على كل جزئي تحتها سواء كان إضافياً أم حقيقياً إذ ليس فوق هذه الكليات كلي تنتهي إليه بل هي أصول الشريعة وقد تمت فلا يصح أن يفقد بعضها حتى يفتقر في إثباته إلى قياس أو غيره فهي الكافية في مصالح الخلق عموماً وخصوصاً.
8- تنزيل حفظ الضروريات والحاجيات في محل على وجه واحد لا يمكن بل لابد من اعتبار خصوصيات الأحوال والأبواب وغير ذلك من الخصوصيات الجزئية.
9- أن الأمور الضرورية أو غيرها من الحاجية والتكميلية إذا اكتنفها من الخارج أمور لا ترضى شرعاً فإن الإقدام على جلب المصالح صحيح على شرط التحفظ بحسب الاستطاعة من غير حرج.
10- ما يقع خطأ من المكلف وفيه إخلال بالضروريات الخمس فقد شرع التلافي حتى تزول المفسدة فيما يمكن فيه الإزالة.
11- القواعد الكلية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات لم يقع فيها نسخ وإنما وقع النسخ في أمور جزئية.
12- المراتب الثلاث الضروريات والحاجيات والتحسينيات يخدم بعضها بعضاً وتخصص بعضها بعضاً فإذا كان كذلك فلا بد من اعتبار الكل في مواردها وبحسب أحوالها.
13- يجب أن يعتبر في كل رتبة جزئياتها لما في ذلك من المحافظة على تلك الرتبة وعلى غيرها من الكليات.
14- الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الكليات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كلياً.
15- حفظ الضروريات بأمرين:
الأول: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود.
الثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.
16- جميع أنواع المناسبات ترجع إلى رعاية المقاصد وما انفك عن أمر مقصود فليس مناسباً.
17- كل مناسبة يرجع حاصلها إلى رعاية مقصود يقع ذلك المقصود في رتبته يشير العقل إلى حفظها ولا يستغني العقلاء عنها فهو واقع في الرتبة القصوى في الظهور.
18- في موضوعات الشرع فيما تعرضت له النصوص غنية و مندوحة عن كل مخترع بالمصالح.
19- اتباع المصالح مع مناقضة النص باطل.
20- لابد من المحافظة على حدود الشريعة والإعراض عن المصالح لأن الفتوى بالمصلحة اجتهاد ولا اجتهاد مع النص.
21- إنما تطلب الأحكام من مصالح تجانس مصالح الشرع.
22- يجب أن يكون اتباع المصالح مبنياً على ضوابط الشرع ومراسمه.
23- الشرع يحيط بجزئيات من المصالح لا يحيط بها العقل.
الثاني: القواعد الخاصة:-
القواعد الخاصة ببعض الأبواب ويمكن أن نذكر منها هنا ستة أقسام وهي كالتالي:
الأول: القواعد المتعلقة بمعرفة مقاصد الشريعة:
1- مقاصد الشرع تعرف بالكتاب والسنة والإجماع.
2- كل ما يتضمن حفظ الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ورفعها مصلحة.
3- كل مصلحة لا ترجع إلى حفظ مقصود فهم من الكتاب والسنة والإجماع وكانت من المصالح الغريبة التي لا تلائم تصرفات الشرع فهي باطلة.
4- إذا تعارض شران أو ضرران فقصد الشارع دفع أشد الضررين أو أعظم الشرين.
5- الجهة المرجوحة غير مقصودة الاعتبار شرعاً.
6- المفسدة أو المشقة التابعة للفعل المطلوب أو الناشئة عنه ليست مقصودة في شرعية ذلك الفعل وطلبه وكذا المصلحة التابعة للمفسدة.
7- الحرج مرفوع فكل ما يؤدي إليه فهو ساقط برفعه إلا بدليل على وضعه.
8- أسباب الرخص ليست بمقصودة التحصيل للشارع ولا مقصودة الرفع.
9- الحرج المعتاد مثله في التكاليف غير مرفوع.
10- الأمر بالفعل يستلزم قصد الشارع إلى وقوع ذلك الفعل، والنهي يستلزم القصد إلى منع وقوع المنهي عنه.
11- مدح الفعل دليل على قصد الشارع إلى إيقاعه.
12- كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان ملائماً لتصرفات الشرع ومأخوذاً معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه ويرجع إليه إذا كان الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعاً.
13- وضع الأسباب يستلزم قصد الواضع إلى المسببات.
14- إن الشرع لا يعتبر من المقاصد إلا ما تعلق به غرض صحيح محصل لمصلحة أو دارئ لمفسدة.
الثاني:القواعد المتعلقة بالمكملات:
1- كل مكمل عاد على أصله بالنقض فباطل.
2- إبطال الأصل إبطال للتكملة.
3- المكمل للمكمل مكمل.
4- المقاصد الضرورية في الشريعة أصل للحاجية والتحسينية.
الثالث: القواعد المتعلقة بوسائل المقاصد:-
1- الوسائل لها أحكام المقاصد.
2- قد تكون وسيلة المحرم غير محرمة إذا أفضت إلى مصلحة راجحة.
3- كلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة.
4- كل تصرف جر فساداً أو دفع صلاحاً فهو منهي عنه.
5- أن أجور الوسائل وآثامها تختلف باختلاف مقاصدها.
6- كلما قويت الوسيلة إلى الأداء كان إثمها أعظم.
7- أن عدم إفضاء الوسيلة إلى المقصد يبطل اعتبارها.
8- الوسائل أخفض رتبة من المقاصد.
9- إذا تعددت الوسائل إلى المقصد الواحد فتعتبر الشريعة في التكليف بتحصيلها أقوى تلك الوسائل تحصيلاً للمقصد المتوسل إليه بحيث يحصل كاملاً راسخاً عاجلاً ميسوراً.
10- إذا تساوت الوسائل في الإفضاء إلى المقصد باعتبار أحواله كلها سوت الشريعة في اعتبارها وتخير المكلف في تحصيل بعضها دون بعضها الآخر إذ الوسائل ليست مقصودة لذاتها.
11- إن الشيء إذا كان واجباً وله وسائل متعددة لا يجب أحدها عيناً.
12- قد تكون الوسيلة متضمنة مفسدة تكره أو تحرم لأجلها وما جعلت وسيلة إليه ليس بحرام ولا مكروه.
13- يغتفر في الوسائل ما لا يغتفر في المقاصد.
الرابع:القواعد المتعلقة بالمقاصد التابعة:-
1- المقاصد التابعة خادمة للمقاصد الأصلية ومكملة لها.
2- التابع إذا كان خادماً للقصد الأصلي فالقصد إليه ابتداءً صحيح وإلا فلا.
3- لا يعتبر التابع إذا كان اعتباره يعود على المتبوع بالإخلال.
4- ما كان من التوابع مقوياً ومعيناً على أصل العبادة وغير قادح في الإخلاص فهو المقصود التبعي السائغ وما لا فلا.
5- أن ما كان من المقاصد التابعة مثبتاً للمقصد الأصلي ومقوياً لحكمته ومستدعياً لطلبه و إدامته فهو المقصود للشارع وإن لم ينص عليه.
6- أن القصد التابع إذا كان الباعث عليه القصد الأصلي كان فرعاً من فروعه فله حكمه.
الخامس:القواعد المتعلقة بمقاصد المكلفين:
1 ـ قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصده في التكليف.
2 ـ كل قصد يخالف قصد الشارع فهو باطل.
3 ـ كل أمر شاق جعل الشارع فيه للمكلف مخرجاً فقصد الشارع بذلك المخرج أن يتحراه إن شاء على الوجه الذي شرعه له.
4 ـ أن الأمور العادية إنما يعتبر في صحتها ألا تكون مناقضة لقصد الشرع ولا يشترط ظهور الموافقة.
5- القصد غير الشرعي هادم للقصد الشرعي.
السادس: القواعد المتعلقة بالترجيحات:
1- آكد المراتب الضروريات فالحاجيات فالتحسينيات.
2- المقاصد العامة مقدمة على الخاصة.
3- أعظم المصالح جريان الأمور الضرورية الخمسة المعتبرة في كل ملة وأعظم المفاسد ما يكر عليها بالإخلال.
4- يرجح ما كان راجعاً إلى كلي ضروري على ما رجع إلى كلي تحسيني.
5- المصلحة الأصلية أولى من التكميلية.
6- درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
7- مراعاة المقاصد مقدمة على رعاية الوسائل أبداً.
8- تقدم المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة.
9- ما تثبت مفسدته في جميع الأحوال مقدم على ما تثبت مفسدته في حال دون حال.
10- تقدم المفسدة المجمع عليها على المختلف فيها.
11- حفظ البعض أولى من تضييع الكل.
12- ما كان مطلوبا بالقصد الأول هو أعلى المراتب.
8) علاقة المقاصد بالأدلة:
الشريعة الإسلامية وحدة متكاملة ونظام شامل اتحدت جزئياتها وكلياتها على جلب المصالح وتكثيرها ودفع المفاسد وتقليلها، ولذا كان من الطبيعي في هذه الشريعة أن تكون الصلة قوية وواضحة بين مقاصد الشريعة وأدلتها إذ ما من دليل إلا وهو يتضمن مقصداً كلياً أو جزئياً فالدليل يحمل في طياته قصد الشارع من التشريع وسوف نذكر هنا علاقة المقاصد بالأدلة المتفق عليها والمختلف فيها.
(1) علاقة المقاصد بالأدلة المتفق عليها:
أولاً: علاقة المقاصد بالقرآن الكريم:
تظهر علاقة القرآن الكريم بالمقاصد الشرعية من عدة جهات:
الأولى: من حيث إدراكها، حيث يعتبر القرآن الكريم من أهم المصادر لإدراك هذه المقاصد ومعرفتها وتقريرها وبيان ضوابطها وغيره، و من أمثلة ذلك:
1- معرفة مقصد رفع الحرج من قوله تعالى:(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة 6.
2- مقصد إخلاص العبادة لله وحده من قوله تعالى:(وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ……) البينة 5.
3- مقصد العدل في الأقوال والأفعال من قوله:(إن الله يأمر بالعدل والإحسان …) النحل 90،(ولا يجرمنكم شنآن قوم …) المائدة 8.
4- مقصد النهي عن الفساد والإفساد من قوله تعالى:(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) الأعراف 85.
5- مقصد الاتفاق والائتلاف والنهي عن الفرقة والاختلاف من قوله تعالى:( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران 103.
الثانية: أن القرآن الكريم يعتبر دليلاً على مراعاة الشريعة للمقاصد والمصالح فقد ذكر بعض الأحكام الشرعية خاصة ونص عليها وبين ثمرتها وفائدتها ومن أمثلة ذلك:
1) قوله تعالى:(إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر …) العنكبوت 45.
2) وقوله:(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ……) التوبة 103.
3) وقوله:(كتب عليكم الصيام … إلى قوله:.. لعلكم تتقون) البقرة 183.
الثالثة: من جهة كيفية طريقة القرآن في بيانها وتقريرها ويتلخص بعض ذلك في النقاط التالية:
) التنصيص على علة الحكم بالطرق المعروفة في مسالك العلة.
) إيراد النصوص الكثيرة حول المعنى المعين وتنوع الأسلوب من أمر به أو نهي عن ضده أو مدح لفاعله أو ذم لتاركه أو ضرب الأمثال له أو قصة معينة وكل ذلك ينتظم معنى كلي كالدعوة إلى التوحيد مثلاً.
الرابعة: أهمية المقاصد في فهم القرآن وتفسيره فيكون فهمه للقرآن وتفسيره له متمشياً ومنسجماً مع مقاصد الشريعة وبيان ذلك من وجهين:
الأول: أن القرآن الكريم مشتمل من الآيات على الحكم الواضح والمتشابه الذي لم تتضح دلالته أو ما احتمل أكثر من معنى فوجب ردها إلى النصوص المحكمة فيكون ردها إلى المحكم مبيناً للمعنى والمقصد الشرعي المفهوم من نصوص الشريعة الأخرى مجتمعة وبهذا نحمل النص المحتمل على ما يوافق نصوص الشريعة ومقاصدها.
فيعلم بذلك أن كل تأويل خالف النصوص الشرعية أو أبطلها أو عارض مقاصدها الواضحة فهو باطل فإن وجدنا تفسيراً يوافق ظواهر النصوص ومقاصد الشريعة عملنا به وإلا أرجعنا علمها إلى الله تعالى.
الثاني: أن المقاصد ذكرت بكثرة وبعضها مرتب على بعض منها الأصلي ومنها التابع ومنها المقيد بالسنة فتحتاج إلى عدة أمور:
1- جمع مقاصد الحكم الواحد في القرآن لتحقيق ذلك الحكم على أفضل الوجوه كما أراد الله تعالى بشرعه.
2- المعرفة بدرجات ورتب المقاصد وذلك للعناية بالأهم منها بقدر الاستطاعة فيسعى لتحقيق المقصد الأصلي الذي تستقيم به النصوص خلافاً للمنافقين الذين نظروا إلى المقصد التابع من حفظ الدماء والأمور والأغراض وأغفلوا المقصد الأصلي من الإيمان بالله وتحقيق عبوديته ونيل رضاه في الدارين.
3- ضم مقاصد السنة إلى مقاصد القرآن إذ المطلوب هو العلم بمقاصد الكتاب والسنة، فالسنة مفسرة للقرآن ومؤكدة له ومنشئة لأحكام ليست في القرآن وإلا حصل الخلل بسبب النظر إلى مقاصد نصوص معينة وإهمال مقاصد نصوص أخرى مبينة لها ومستقلة.
الخامسة: يعتبر القرآن ضابطاً من ضوابط المصلحة بحيث يشترط لاعتبارها عدم مخالفتها لها.
السادسة: تحديد القرآن لمقاصد المكلف بحيث تكون على وفق القرآن ونهجه. انظر مقاصد الشريعة عند ابن تيمية( 317)
وبهذا ظهر لنا الصلة بين المقاصد وبين القرآن الكريم.
ثانياً:علاقة المقاصد بالسنة النبوية:
يشبه الكلام في هذا المبحث إلى حد ما، ما سبق في المسألة السابقة وهو علاقة القرآن الكريم بالمقاصد حيث تظهر علاقة المقاصد الشرعية بالسنة النبوية من خلال الأمور التالية:
1- من حيث إدراك المقاصد الشرعية وبيانها لأن مصدر المقاصد هو الكتاب والسنة فإغفال السنة النبوية معناه إغفال جزء من الشريعة كاملة كتاب وسنة، كما أنها تؤكد المقاصد الواردة في القرآن.
2- أن السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم وذلك يشمل بيان المقاصد في بعض الأحكام التي لم ينص عليها القرآن الكريم مع زيادة بيان وتوضيح لما ذكره القرآن ومثال ذلك: حكم النكاح حيث ورد في القرآن وجاءت السنة ببيان بعض مقاصده التي لم تذكر في القرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم:( يا معشر الشباب من استطاع منكم...) الحديث رواه البخاري ومسلم، وبيان مقصد الاستئذان المأمور به في القرآن مثل قوله صلى الله عليه وسلم:( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).
3- أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو أعلم الناس بمقاصد القرآن فالحاجة ماسة إلى الاطلاع على أقواله المبينة لنصوص الكتاب لمعرفة مقاصدها وهذا بالنسبة للسنة المبينة.
4- استقلال السنة ببعض الأحكام التي لم توجد في القرآن والحاجة ماسة إلى معرفة هذا القسم ومقاصده وهذا بالنسبة للسنة المستقلة.
5- ورود السنة ببعض المقاصد المذكورة في القرآن وهذا يزيد الأمر أهمية ووضوحاً بسبب تكاثر النصوص وتواردها على المعنى الواحد وهذا بالنسبة للسنة الموافقة.
6- حديث الآحاد وبيان علاقته بالمقاصد وهل يقدم على القياس والأصول عند التعارض مع العلم أن الحديث حجة مستقلة إذا صح ويستفاد منه مقاصد تضاف إلى السنة النبوية لكن هنا أموراً ينبغي التنبيه عليها في حديث الآحاد وهي:
أ) لا يتصور تعارض حديث صحيح من كل وجه وهو خبر واحد مع مقاصد الشريعة فإذا حصل ذلك فإما أن يعود إلى عدم صحة الحديث أو عدم صحة المقصد المفترض فقد يتصور البعض مقصداً للشريعة والحقيقة أنه ليس كذلك، وإما أن يكون المقصد دقيقاً خفياً في دخوله ضمن المقصد العام، حتى يظن الناظر أنه غير داخل وهو داخل من وجه لم يتفطن له، أو يكون المقصد العام مقيداً بحديث آحاد فتستثنى حالة الحديث.
ب) أن ترك الحديث الصحيح للقياس هو ترك المتيقن للمظنون لأن الحديث لابد أن يتضمن جلب مصلحة أو درء مفسدة وهذا يقين بخلاف القياس فهو ظن.
ج) أن التقيد بالنص فيه محافظة على المصلحة.
د) أن حمل الحديث على وجه محتمل متفق مع بعض المقاصد أمر لا ينكر لكون أقواله صلى الله عليه وسلم يصدق بعضها بعضاً، وأما ما يذهب إليه بعض المنسوبين للدعوة من أن الحديث يفهم في ضوء مقاصد الإسلام ويحكم عليها بالصحة والضعف في ضوء المقاصد أيضاً فليس بطريقة المحدثين المعروفة وهو النظر في سنده ومتنه فهذا طريق خطير جداً سوى أنه باطل فهو يتضمن رد النصوص الصحيحة وكذلك قبول الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة التي قد يظهر أنها توافق مقصد من مقاصد الشريعة.
ثالثاً:علاقة المقاصد بالإجماع:
تظهر علاقة المقاصد بالإجماع من خلال النقاط التالية:
1- من حيث كونه مصدراً من مصادر التعرف عليها إذ الإجماع من أهم مسالك معرفة العلة التي تعرف بها، ويعتبر الإجماع مؤكداً لدلالة الكتاب والسنة ومرسخاً لما فيهما من المقاصد.
2- أن المقاصد التي تثبت بالإجماع أقوى من المقاصد المختلف فيها ويستفاد من ذلك في ترجيح المقاصد.
3- أن من شروط الاجتهاد المعتبر عند العلماء معرفة مقاصد الشريعة والإجماع إنما هو إجماع المجتهدين وذلك يتوقف على فهم المجتهد لمقاصد الشريعة الخاصة والعامة وعلى ذلك فحصول الإجماع متوقف على معرفة مقاصد الشريعة من هذه الجهة، وبمعني أقرب نقول: الإجماع لا يمكن إلا من المجتهدين والمجتهد من شروطه معرفة مقاصد الشريعة وأسرارها، إذاً فيكون الإجماع متوقف على معرفة المقاصد الشرعية.
رابعاً:علاقة المقاصد بالقياس:
يتحدث علماء الأصول عن المقاصد الشرعية في باب القياس عند الحديث عن مسالك العلة وبالتحديد عند مسلك المناسبة وكان حديثهم عن المناسب ومقاصد الشريعة وبيان قواعدها وضوابطها ومن تلك المباحث:
1) تقسيم المناسب باعتبار حصول المقصود من شرع الحكم به وأن المناسب لا يعتبر إلا إذا حصل المقصود من شرع الحكم يقينا أو ظناً فإن حصل جاز التعليل به.
2) تقسيم المناسب باعتبار شهادة الشرع له إلى ثلاثة أقسام:
أ) ما علم أن الشارع اعتبره
ب) ما علم أن الشارع ألغاه
ج) ما لم يعلم له اعتبار ولا إلغاء
3 ) أنهم قسموا المناسب باعتبار ذاته إلى حقيقي وإقناعي وتكلموا في الحقيقي عن الضروري والحاجي والتحسيني التي أصبحت فيما بعد أساس المقاصد وقاعدتها، وبالجملة فقد كان مبحث المناسبة عند الأصوليين هو مبحث مقاصد الشريعة باعتبار أن المناسبة المطلوبة هي التي تتفق مع مقاصد الشرع واعتباراته.
4 ) من المباحث في باب القياس التعليل بالحكمة وهي التي لأجلها صار الوصف علة وعرفها بعضهم بأنها جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها، وبهذا تكون الحكمة هي مقصد الشريعة من شرع الحكم.
5 ) أن بعض الأصوليين جعل المقاصد نفسها أو صافاً حيث قال: المناسب هو الوصف المفضي إلى ما يجلب للإنسان نفعاً أو يدفع عنه ضرراً فيظهر أن ركن القياس الأهم هو العلة والعلة يشترط فيها المناسبة وهي مراعاة المقاصد الشرعية من جلب مصلحة أو دفع مفسدة، فالقياس متوقف على العلم بمقاصد الشريعة حتى لا يحصل التعليل بوصف لا مناسبة فيه، أو بوصف علم إلغاؤه أو لم يلتفت إليه ولذا أرجع الغزالي المناسبة إلى رعاية المقاصد.
6 ) أن الحكم يكون موافقاً للقياس إذا وافق مقاصد الشريعة العامة التي ترجع إلى جلب المصالح، وعليه فالمقاصد تمثل الضابط الشرعي للقياس الذي يجعلها محققة لروح الشريعة، ويحقق في القياس مهمته ووظيفته التي هي تحصيل المصالح وتعطيل المفاسد، ويبعد عن التشديد وجلب الحرج، وتمثل المقاصد والخبرة بأسرار الشريعة الفرقان بين القياس الصحيح والفاسد، وبهذا تكون المقاصد بالغة الأهمية بالنسبة للمجتهد حيث يشترط إلمامه بها ليسير على النهج القويم في إصدار أحكامه.
7 ) القياس الصحيح الموافق لمقاصد الشريعة يعتبر علماً من أعلام محاسن الشريعة حيث يظهر بذلك ديمومتها وصلاحها لكل زمان ومكان وينفي عنها الاختلاف والتضاد.
2) علاقة المقاصد بالأدلة المختلف فيها:
أولاً:علاقة المقاصد بالمصلحة:
المصالح تنقسم إلى ثلاثة أقسام( المعتبرة ، والملغاة، والمرسلة) فأما المعتبرة: وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات فقد علم مما سبق الصلة الوثيقة بينها وبين المقاصد الشرعية ويبقى الحديث حول المصالح المرسلة وعلاقة المقاصد بها.
- علاقة المقاصد بالمصالح المرسلة:
تتضح العلاقة بين المقاصد والمصالح المرسلة مما يأتي:
1- اشتراط ملاءمة المصلحة المرسلة عند القائلين بها لمقاصد الشريعة بحيث لا تنافي أصلاً من أصوله ولا دليلاً من دلائله فلا عبرة بها حتى يقوم لها ما يؤيدها من المقاصد الشرعية.
2- أنه لا يقرر الأخذ بالمصلحة المرسلة إلا من كان عالماً بمقاصد الشريعة ضابطاً لأسرارها متفقهاً في نصوصها وبهذا يزول الخوف من أن الأخذ بالمصلحة المرسلة يفتح باب الفوضى في الشريعة وذلك لأن معرفتهم بنصوص الشريعة ومقاصدها تؤهلهم لتمييز المصالح من المفاسد.
3- أن عمدة القائلين بالمصلحة المرسلة أن من المقاصد الشرعية مراعاة المصلحة فإذا عدم النص وتحققت المصلحة وكانت راجحة وعدمت المفسدة في أي قضية فإنها تكون مقصودة للشارع.
ثانياً:علاقة المقاصد الشرعية بالاستحسان:
تظهر علاقة المقاصد بالاستحسان من خلال الأمور التالية:
1) أن الاستحسان ترك القياس لدليل آخر أقوى منه فكأنه بذلك يعود إلى الأدلة الأخرى التي سبق بيان علاقتها بالمقاصد.
2) أنه استثناء من القياس الكلي الذي يؤدي التزامه إلى الحرج والمشقة والضيق فهو بهذا الاعتبار يرجع إلى رعاية مقاصد الشريعة لأن الاستثناء ما شرع إلا لرفع الحرج الذي هو من أهم مقاصد الشريعة أو لتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة.
3) الأمثلة التي ذكرها القائلون بالاستحسان يتضح أن الاستحسان رجوع إلى مقاصد الشريعة كاستثناء السلم والإجارة بالنص لحاجة الناس وهذا راجع إلى رفع الحرج، و الاستصناع المستثنى بالإجماع لحاجة الناس.
4) أن النظر في مآلات الأفعال معتبر ومقصود شرعاً ومن الأصول المبنية على هذه القاعدة الاستحسان وذلك أن التزام الدليل العام يؤدي إلى الحرج والضيق ويؤول إليه والاستحسان ترك الدليل العام نظراً إلى مآله.
ثالثاً: علاقة المقاصد بسد الذرائع:
إن من أكثر الأدلة التصاقاً وارتباطاً بالمقاصد سد الذرائع وبيان ذلك من وجوه:
1- أن سد الذرائع في نفسه مقصد من مقاصد الشريعة كما دلت النصوص الكثيرة لقوله تعالى:( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم ) من باب التصريح على المنع من المباح المفضي إلى الحرام ومثله منع سب الرجل المفضي إلى سب والديه، ومنع سفر المرأة بغير محرم والنهي عن الخلوة والتشبه بالنساء والصلاة عند طلوع الشمس ونحوه.
2- أن في سد الذرائع حماية لمقاصد الشريعة وتوثيقاً للأصل العام الذي قامت عليه الشريعة من جلب المصالح ودرء المفاسد لأن الأمر المباح قد يؤدي الأخذ به إلى تفويت مقصد الشارع والمحافظة على مقصود الشارع أمر مطلوب لكونه أعظم مصلحة وأقوى أثراً فلا غرابة إذا منع الشارع من المباح لتأديته إلى حصول مفسدة أعظم مناقضة لمقصود الشارع، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: فإذا حرم الرب تعالى شيئاً وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقيقاً لتحريمه وتثبيتاً له ومنعاً من أن يقرب حماه ولو أباح الوسائل المفضية إليه لكان ذلك نقضاً للتحريم وإغراءً للنفوس به.
3- أن سد الذرائع يرجع إلى اعتبار المآل واعتبار مآل الأفعال من المقاصد المهمة في الشريعة والدليل على ذلك الأدلة الشرعية والاستقراء التام قال تعالى:(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم) ولما أشير للنبي صلى الله عليه وسلم بقتل من ظهر نفاقه قال:(أخاف أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) وقوله لعائشة:(لو لا أن قومك حديث عهدهم بكفر لأسست البيت على قواعد إبراهيم).
رابعاً: علاقة المقاصد بفتح الذرائع:
المقصود بفتح الذرائع هنا هو فتح الذرائع المؤدية إلى جلب المصالح وتحقيق المقاصد التي لا تحصل إلا بها فكما يجب سد الذرائع يجب فتحها ويكره ويندب ويباح فالذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة الحرام محرمة فكذلك وسيلة الواجب واجبة كالمشي إلى الجمعة ذلك أن موارد الأحكام على قسمين:
الأول: مقاصد وهي الطرق المفضية للمصالح والمفاسد في أنفسها.
الثاني: وسائل وهي الطرق المفضية إليها وحكمها كحكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل وهذا ما قرره العلماء في قاعدة الأمر حيث قالوا:(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
خامساً: علاقة المقاصد بإبطال الحيل:
ما كان من الحيل مخالفاً لمقصود الشارع فهو باطل سواءً توصل إليه بمباح أو بحرام لأن الحيل مناقضة لمقاصد الشارع وفيها تفريغ للنصوص من معانيها، والمحتال ساع في دين الله بالفساد من وجهين:
الأول: إبطال حكمة الشارع في الأمر المحتال عليه.
الثاني: أن الأمر المحتال به لم يكن له حقيقة ولا كان مقصوداً بحيث يكون محصلاً لمراد الشارع، فالمحتال مخادع لله ورسوله، ولم يفقه حكمة الشارع، بعيد عن رعاية مقصود الشرع، وعلى ذلك فإن علاقة المقاصد بإبطال الحيل تتخلص بثلاثة أمور:
1. انتهاج الحيل مناقضة للشارع ومخادعة له وإبطال لمقاصد الشرع.
2. أن الجهل بحكم الشرع وعلله من أسباب إتباع الحيل.
3. المنع من الحيل يمثل توافق الشريعة وانضباطها وعدم تناقضها واضطرابها فيستحيل عقلاً وشرعاً أن يسد الشرع وسائل الفساد من جهة ثم يفتحها من جهة أخرى فإن هذا لهو وعبث يتنزه الشارع عنه.
سادساً: علاقة المقاصد بقول الصحابي:
تظهر العلاقة بين مقاصد الشريعة وقول الصحابي من خلال الأمور التالية:
1) أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم المكانة العالية والمنزلة الرفيعة في فهم هذا الدين وإدراك معانيه وذلك للأسباب التالية:
أ) التلقي المباشر من النبي صلى الله عليه وسلم وكان لهذا أثره في فهم الدين من جهة صفاء المورد ودقة الفهم واليقين بما سمعوا وفهموا واطلاعهم على أسباب النزول وورود الحديث ومعرفة ناسخ الحديث و منسوخه ومشاهدة لأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي تفسر أقواله وتشرحها.
ب) سليقتهم العربية فيعرفون بسليقتهم دلالة القرآن والسنة دون حاجة إلى ما يحتاجه غيرهم من علوم اللغة.
ج) إخلاصهم لله وتقواهم له فكل هذه الأسباب شكلت فقهاً قوياً متماسكاً لدى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
2) وبناء على ما سبق فهم أعلم بمقاصد الشريعة ومراميها من غيرهم إذ من أهم الطرق المحصلة لمقاصد الشريعة العلم من الكتاب والسنة والاستنباط منهما وهذا متوفر لدى الصحابة بلا شك على أكمل الوجوه، قال الإمام الشاطبي رحمه الله: السلف أعلم الناس بمقاصد القرآن وهم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها.
3) أن المتمسك بقول الصحابي أخذ بمقاصد الشريعة وولج فيها من أوسع أبوابها ولذا كان من أسباب الاحتجاج بقول الصحابي عند من يقول به معرفتهم بمقاصد الشريعة ومن أمثلة معرفتهم بذلك جمع القرآن خوفاً عليه من الضياع وحفظاً للدين واعتماداً على مقصد الشريعة في جلب المصلحة ودفع المفسدة وكذلك تضمين الصناع حفظاً للأموال من الضياع مراعاة لمقصد الشريعة في حفظ الأموال.
4) الاهتداء بهم في معرفة مقاصد الشريعة وإدراكها وفهم معاني الكتاب والسنة.
سابعاً: علاقة المقاصد بالعرف:
تظهر العلاقة بين مقاصد الشريعة وبين العرف من خلال الأمور التالية:
1- أن الشريعة أحالت في بعض أحكامها على العرف كما في قوله تعالى:( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وكما في تقدير المتعة للمطلقة والأكل من مال اليتيم ونحوه.
2- أن الشريعة ذكرت فيها أحكام مطلقة لم تحدد كالحرز والإكرام والإحسان وقد قرر العلماء أن كل ما ورد به الشرع مطلقاً بدون ضوابط ولا تحده اللغة يرجع فيه إلى العرف.
3- أن العلماء قرروا أن الأحكام الاجتهادية المبنية على العرف تتغير بتغير الأزمان والأمكنة والأحوال وذلك حسب مقاصد الشريعة.
4- أن مجال العرف أمور ثلاثة:
أ) العمل في الحالات التي أحال الشارع فيها عليه.
ب) الأحكام المطلقة في الشريعة التي لم تحدد في الشريعة واللغة.
ج) المسائل الاجتهادية التي مبناها على تحقيق مصالح الناس ولذا لم يقل العلماء بالعرف بدون ضوابط بل قيدوه بشروط يفهم منها مراعاة مقاصد الشريعة منها كون العرف لا يخالف نصاً لأن في ذلك تفويت المصالح من وراء النصوص مع تضمنه إبطال الشريعة لكثرة الأعراف وتجددها.
5 – أن حمل الناس على ما يخالف أعرافهم فيه مناقضة لمقصود الشارع.
6 – العمل بالعرف يؤكد ما جاءت به الشريعة من التيسير ورفع الحرج.
7 – عدم الأخذ بالعرف يدفع الناس إلى مناقضة مقصود الشارع بإتباع الحيل.
8 – العرف يشكل عنصراً مهماً في الحفاظ على معاملات الناس.
ثامناً: علاقة المقاصد بشرع من قبلنا:
تظهر علاقة المقاصد بشرع من قبلنا من خلال الأمور التالية:
1 – دليل على أن الشارع راعى المقاصد الضرورية في كل شريعة وهذ يمثل دليلاً على قطعيتها والجزم بثبوتها.
2 - أن الشريعة الإسلامية لها خصائص ليست موجودة في الشرائع السابقة من الشمول ورفع الحرج والحفظ وغير ذلك.
3 - وجود بعض الأحكام المنقولة عن الشرائع السابقة في شريعتنا دون إنكار أو إقرار ولا يناقض ذلك كونها شريعة متميزة.
5 – إن أعظم المقاصد و أشرفها عبودية الله تعالى وجميع الضروريات راجعة إليها.
6 – الموازنة بين شريعتنا وغيرها من الشرائع تظهر كمال شريعتنا وعدلها وفضلها.
7 – الترجيح عند التعارض بين ما ثبت بشرع من قبلنا وفي شريعتنا ما يناقضها.
مسألة: ما الحكم إذا خالف شرع من قبلنا ما هو مقرر من مقاصد الشريعة ؟
والجواب:أن العلماء قد ردوا شرع من قبلنا إذا خالف الدليل الجزئي من شرعنا ومن باب أولى أن يرد شرع من قبلنا إذا خالف القواعد الكلية الثابتة بأكثر من دليل، فإذا وجدنا حكماً في شرع من قبلنا يلزم منه الحرج تركنا ذلك وأخذنا بما دل عليه شرعنا من رفع الحرج وغيره مثله.
تاسعاً: علاقة المقاصد بالاستصحاب:
تظهر علاقة المقاصد بالاستصحاب من خلال الأمور التالية:
1) أن من خصائص الشريعة الاطراد والاستمرار في الأحكام فهي لكل زمان ومكان وأمة تستوعب جميع الحوادث المتجددة بقواعدها الكلية.
2) أن العلماء قرروا في الاستصحاب استدامة إثبات ما كان ثابتاً أو نفي ما كان منفياً مراعاة لمقاصد الشرع من البقاء والاستقرار من جهة ومراعاة الانضباط والاطراد وعدم الاضطراب في الأحكام من جهة أخرى مع ما يحقق الاستصحاب من حفظ المصالح ومراعاتها وهو من أهم مقاصد الشريعة.
3) الأصول الثابتة الكثيرة المقررة ومن ذلك ما يلي:
أ) الأصل في الأشياء النافعة الإباحة.
ب) الأصل في العبادات المنع.
ج) الأصل في المعاملات الإباحة.
وغير ذلك من الأصول المقررة المحققة لمصالح كثيرة لا تعد ولا تحصى.
9)علاقة المقاصد بالسياسة الشرعية:
المقصود بالسياسة الشرعية في اللغة: القيام على الشيء بما يصلحه وفق المعايير الشرعية وضوابطها.
واصطلاحاً: مجموع الولاية الصالحة والسياسة العادلة مما يصلح الراعي والرعية.
وعلى ذلك يمكن تلخيص علاقة المقاصد بالسياسة الشرعية على النحو الآتي:
1. أن مقاصد الشريعة هي هدف السياسة وقبلتها وغايتها، إذ وظيفة الحاكم في الدولة إنما هي حراسة الدين والدنيا، وإصلاح أمور العباد في المعاش والمعاد، وهذا هو غاية نظام الحكم حراسة الدين الإسلامي وإقامة المصالح الدنيوية على وفق الدين ومقاصده أي حفظ حقوق الله تعالى وحقوق عباده.
2. أن مقاصد الشريعة تمثل ضابطاً لأحكام السياسة، بحيث تبقى دائماً تحت مظلة الشريعة، وكبح كل من أراد الخروج عن أحكام الدين بحجة السياسة والمصلحة.
3. تمثل السياسة الشرعية دوراً هاماً في بيان يسر الشريعة ومراعاتها لمصالح العباد، وشمولها وصلاحها لكل عصر وذلك برجوع بعض طرقها وأساليبها إلى حاجات الناس وعاداتهم وما يجد من تطورات علمية وطرق سياسية حديثة مما يوافق أصول الشريعة ولا يتعارض معها.
4. تمثل السياسة الشرعية طريقاً ومنهجاً سوياً في تنزيل مقاصد الشريعة على الواقع ومراعاة الظروف المتغيرة والموازنة بين المصالح والمفاسد المتزاحمة والمتعارضة.(المقاصد عند شيخ الإسلام ابن تيمية(427)
نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه نافعة لعباده إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
والحمد لله رب العالمين..