مفهوم الجهاد 3/7

 

المفهوم الواسع للجهاد يستحق المزيد من العناية لأسباب:

(1) أنه مفهوم مستوعب لكل أفراد الأمة بلا استثناء، وليس مقصوراً على فئة أو شريحة وكلت إليها مهمات عسكرية أو حربية، وبتفعيله يتم توجيه الأفراد لأدوارهم الحياتية الخاصة والعامة، وفق قدراتهم ولو قلَّت.

إن هذا الفهم الإيجابي يحول الناس إلى فاعلين منتجين مؤثرين، وليس إلى كسالى أو بطالين.

(2) أنه مفهوم سنني صحيح، فالحياة لا يقوم بها إلا من حاطها من جميع جوانبها، وكذا الدين، والدين هو للحياة، وفكرة أن معركة قتالية سوف تصحح أوضاع الناس والحياة ، هي فكرة ساذجة ومغلوطة بيقين، فلكل شيء سبب، والنبي الذي علم قادته كيف يديرون الجيوش، ووظَّف طاقات المبرزين منهم كخالد وعلي رضي الله عنهما، هو الذي علَّم الناس المعدمين كيف يجمعون الحطب ليكتسبوا ويستغنوا عن السؤال، وسن لأصحابه سنن البيع والشراء، والحرث والتعلم والزواج والإجارة...

(3) أنه مفهوم يغطي كل جوانب الحياة، فهو يشمل الفرد والأسرة والمجتمع، وفي كل الأحوال والظروف، وليس لجانب دون آخر، ولا لظرف دون ظرف، وهو بهذا مفهوم مؤثر بصورة حقيقية وبصورة دائمة، وليس في أحوال خاصة فحسب.

(4) أنه برنامج قائم دائم لا يفتقر إلى شروط، فهو يعمل في حال الضعف والقوة، والكثرة والقلة، والصحة والمرض، ووجود الدولة وعدمها، ووجود المؤسسة وعدمها، بل هو يسعى لاستثمار الموجود، وتوظيفه توظيفاً حسناً، واستكمال الناقص، وإيجاد ما تدعو الحاجة إلى إيجاده، فهو مطلب الشريعة من المكلف بقدر وسعه وطاقته وقدرته التي هي شرط الوجوب، وهو أعلم بتقدير ذلك.

(5) أنه مضمون العاقبة مأمونها، فثمرته خير محض، وهو عمل صالح لا مخاطرة فيه ولا إشكال ولا إضرار ولا سوء تقدير، إنه مغنم ظاهر، وغنيمة باردة.

(6) أن الأمة تعاني تاريخياً من حاجة ماسة إلى تجييش الكم الغفير من العاملين المخلصين في ميادين الحياة والتنمية والمعرفة والعمل، وكلما تقدم الزمن اتسعت دائرة الحاجة، وقل القائمون بها، وشغرت فروض الكفايات التي يتأثم الناس بالإخلال بها، سواء كانت في مجال الدعوة والبلاغ وإيصال الرسالة، أو في ميادين الحياة العلمية والصناعية والاقتصادية والإدارية وغيرها، وهذا خلل ظاهر لا مخرج منه إلا تحفيز طاقات الناس إلى الانخراط في ميادين العمل والإنتاج والإنجاز.

(7) أن الجهاد بمفهومه القتالي الخاص يفتقر إلى هذا المفهوم الشامل لتحقيق أهدافه، وكم من قتال بذل فيه المسلمون الغالي والنفيس، واسترخصوا الأرواح والمهج في سبيله، وطاروا إليه سراعاً، وصبروا وصابروا، ورابطوا، وانتظروا العاقبة فلم يحظوا بطائل يذكر، نعم ربما أحدثوا النكاية في عدوهم، لكن حدث فيهم هم من الإثخان والقتل، والفزع القدر الكبير، وإن كانوا يحتسبونه، لكنه مكروه، وانتهى الأمر إلى غير نتيجة ملموسة في الحياة والمجتمع، أو إلى أثر سلبي وأحدوثة مخزية محزنة لدى الغريب والبعيد، بسبب غياب الوعي الرشيد، والفهم الشامل للحياة والشريعة، وما أدى إليه التعصب والهوى والأنانية من الاختلاف والتطاحن والتنازع الذي هو آية الفشل وذهاب الريح (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46].

وكان من الخطب في ذلك غياب الكفاءات الميدانية القادرة على بناء الحياة، وقد ينجح قوم في معركة حربية، ثم يخفقون في بناء مدرسة، أو تشييد صرح، أو رصف شارع، أو تعبيد طريق، أو صناعة.. إلخ، أو توفير لحظة أمن أو لقمة عيش أو خرقة كساء، فضلاً عن صناعة الحياة بمجالاتها الخصبة ببناء العقول والنفوس والأرواح.

ولذا فالأمر مفتقر غاية الافتقار إلى استنارة عاملة بصيرة تعرف معنى الحياة وتتحمل تكاليفها، وتفقه معنى الشريعة وتلم بمقاصدها، لئلا تكون أعمالنا حرثاً في بحر أو خطاً في رمل متحرك!

تعليقات الفيسبوك

الآراء المنشورة لاتعبر عن رأي موقع الإسلام اليوم أو القائمين عليه.
علما بأن الموقع ينتهج طريقة "المراجعة بعد النشر" فيما يخص تعليقات الفيسبوك ، ويمكن إزالتها في حال الإبلاغ عنها من قبل المستخدمين من هنا .
مساحة التعليق تتسع لمناقشة الأفكار في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
  • - الهجوم على أشخاص أو هيئات.
  • - يحتوي كلمة لا تليق.
  • - الخروج عن مناقشة فكرة المقال تحديداً.

تعليقات الإسلام اليوم



تبقى لديك حرف
   

التعليقات

  1. 1- منصف
    12:49:00 2010/08/21 صباحاً

    دفع الناس إلى العمل الشمولي لايلزم منه هدم الجهاد في سبيل الله؟؟؟؟؟؟؟

  2. 2- محب الخير
    01:25:00 2010/08/21 صباحاً

    أتمنى من شيخنا -حفظه الله- أن يتكلم عن فضل الجهاد(الذي هو قتال الأعداء)

  3. 3- أبو عز الدين
    03:33:00 2010/08/21 صباحاً

    المقال رائع جداً، ويا حبذا لو يقرأه الأخوة والأخوات كاملاً وبعيداً عن الأحكام المسبقة، أو الأحكام التي تطلق جزافاً عند أول كلمة لا توافق ما تهواه نفسك. ولا بد هنا من التنبيه أن الشيخ لا ينفي الجهاد بمعنى القتال، وإنما يريد أن يوضح أن للجهاد معاني أخرى كثيرة ومهمة جداً يجب أن نعمل على إيجادها، حتى إذا حصل جهاد القتال، فإنه يؤتي ثماره المرجوة. أنظروا إلى جداد الأفغان للروس والذي انتهى بطرد الروس من البلاد، أين هي الثمار الذي قطفت؟ أنسينا بعدها الإقتتال الداخلي الذي حصل بسبب عدم توفر أنواع الجهاد الأخرى؟ ولكم منا أطيب التحيات، والسلام عليكم ورحمة الله

  4. 4- عبدالله بن فهد
    02:41:00 2010/08/21 مساءً

    مصطلح الجهاد ليس مقتصراً على قتال الأعداء فحسب فهناك جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الفتن ...وغيرها . لكن اتمنى من الشيخ حفظه الله أن يتكلم عن جهاد الأعداء في الوقت الحالي نحن في عصر فتن ومع إختلاط الحابل بالنابل , وكذالك طرح مفاهيمه ويكيف يواجة الشاب هذا الصراع الفكري. وفقكم الله

  5. 5- مريم
    10:46:00 2010/08/21 مساءً

    الله أعزْ الإسلام والمسلمين,, الله يكثر من أمثالكْ شيخنآ~ مقآل رآئع

  6. 6- سلمان
    11:28:00 2010/08/21 مساءً

    دفع الناس إلى العمل الشمولي لايلزم منه هدم الجهاد في سبيل الله؟؟؟؟صدقت ايها المنصف فأن تركو جميعآ الجهاد وبالذات فى البلاد المحتله من الصليبيين فمن يحررها ان لم تتكاتف البرامج الاسلاميه المخلصه لدعم بعضها البعض دون الانتقاص من دور احد او خذلان احدهم للثاني فصناع المجد الاسلامي الحقيقي وليس المزيف كثر ويريد متطوعين مخلصين عملهم للمولى سبحانه وتعالى وليس للدنيا الدنيا وارضاء طواغيت اليوم هذا والله اعلم

  7. 7- سلمان
    11:29:00 2010/08/21 مساءً

    رساله للمشرف اتقى الله ان كنت صادق فى شهره الكريم ولا تحجب على هواااااااااك

  8. 8- أبومحمد البازلي
    05:26:00 2010/08/22 صباحاً

    ((أن الأمة تعاني تاريخياً من حاجة ماسة إلى تجييش الكم الغفير من العاملين المخلصين في ميادين الحياة والتنمية والمعرفة والعمل)) تأكيد وتكرار لنفس الفكرة التي تجعل الجهاد العظيم هو بناء الحياة . وهدم للدلالة الشرعية للجهاد وانتقاص من ثمرتها ونتائجها بقوله .((أن الجهاد بمفهومه القتالي الخاص يفتقر إلى هذا المفهوم الشامل لتحقيق أهدافه، وكم من قتال بذل فيه المسلمون الغالي والنفيس، واسترخصوا الأرواح والمهج في سبيله، وطاروا إليه سراعاً، وصبروا وصابروا، ورابطوا، وانتظروا العاقبة فلم يحظوا بطائل يذكر، نعم ربما أحدثوا النكاية في عدوهم، لكن حدث فيهم هم من الإثخان والقتل، والفزع القدر الكبير، وإن كانوا يحتسبونه، لكنه مكروه، وانتهى الأمر إلى غير نتيجة ملموسة في الحياة والمجتمع)) كم أتمنى أن يكون الشيخ متوازنا في طرحه للقضايا الشرعية الحساسة وألا ينجرف مع التيار الذي يجعل اظهار السماحة ومراعاه المصلحة ذريعة لحجب الحقائق الشرعية الواضحة ، ومن أعظمها شعيرة الجهاد .

  9. 9- ابن عقلاء
    05:35:00 2010/08/22 صباحاً

    بهالطريقه انت تهدم الجهاد وانت لاتعلم . ارجو ان تتكلم على اعداد الامه للجهاد كما قال الله في كتابه . {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}

  10. 10- اخو يوسف
    05:44:00 2010/08/22 صباحاً

    الله يرحمك ياشيخ يوسف

  11. 11- سعاد احمد
    01:24:00 2010/08/22 مساءً

    جزاك الله خيرا مقال مفيد جدا

  12. 12- أم محمد
    11:59:00 2010/08/25 مساءً

    رد على النقطة (7)يقول جل شأنه {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ }آل عمران169 {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }التوبة111 هل الجهاد اليوم فرض عين في فلسطين والعراق وافغانستان {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج وإن كان اليوم فرض كفاية {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }التوبة122 في كل الأحوال الجهاد حاضر أما بالمرابطة في حالة السلم الوهمي كما في فلسطين أو أذا ماتوفرات الاسباب التي شرع من أجلها الجهاد وهى موجودة في فلسطين والعراق ... وهذا لاينفي أن نهتم بالنهضة والتحضر والعلم فهو فرع مكمل للفرع الأساسي وهو الجهاد... {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77

  13. 13- -_-
    01:19:00 2010/10/26 مساءً

    اين المقال