جهاد الطلب وجهاد الدفع 5/7

 

كثيراً ما يثار السؤال عن الجهاد، هل هو هجوم ومبادأة، أم دفاع فحسب؟

وفي ظني أن هذا سؤال مفخخ، لا يجب افتراضه، ولم يرد بهذه الصيغة في كتاب ولا سنة، وهو يفترض أمام المجيب طريقين لا ثالث لهما.

ونحن نجد من السابقين من قال إن الجهاد هو لمدافعة العدو كما نص عليه سفيان الثوري وفي سير الشيباني وغيره إشارة لهذا.

والمدافعة محل اتفاق، فجميع الفقهاء بل وغير الفقهاء، والمسلمون وغير المسلمين، وشرائع السماء ودساتير الأرض تمنح الإنسان الحق في مدافعة الباغي والمحتل، ولولا ذلك لفسدت الأرض.

ومقصد القتال في الإسلام هو حماية المشروع الإسلامي، حماية الأرض والملة والإنسان، وهذا يتضمن المدافعة قطعاً، وربما كان من المدافعة المبادأة والطلب أحياناً.

الأمة المعتدية البادئة بالحرب تستحق الرد والمدافعة والمقاومة لئلا تلج في عدوانها. والأمة التي تتهيأ للحرب والعدوان والقتال، ولا تربطها بالمسلمين عهود أو عقود أو مواثيق أو اتفاقيات، لا ثنائية ولا دولية فليس مطلوباً أن يترك الإسلام زمام المبادرة والمبادأة بيدها أبداً، بل قد تفرض ضرورة الحماية مهاجمتها ابتداءً باعتبار هذا من ضرورات الدفاع.

وحين شرع الله القتال بـيَّن أسبابه، فقال:" أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" [الحج:39] فجاء الإذن هنا تعقيباً على كونهم قوتلوا وظلموا وآن الأوان لأن ينتصفوا وينتصروا ممن ظلمهم وقاتلهم.

ثم قال سبحانه :" الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا" [الحج:من الآية40] إمعاناً في تفصيل العدوان عليهم وعلى أرضهم وديارهم وحقهم في العبادة والإيمان.

وهذا ليس استثناءً ولا حالة تاريخية، بل هو شأن يتكرر، ولذا عقب تعالى بقوله:" وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً" [الحج:من الآية 40].

وانظر كيف ذكر هنا الصوامع، وهي للنصارى، والبيع وهي لليهود، والصلوات والمساجد التي يذكر فيها اسم الله كثيراً.

وفي سياق آيات القتال نجد قوله تعالى:" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ " [البقرة:193].

وهذا لا يتنافى مع مبدأ أن المقصد هو حماية الإسلام، بل هو يعززه، فليس المقصود إكراه أحد على الإسلام (لا إكراه في الدين)، ولكن المقصود مقاتلة الذين يقاتلوننا لدفع فتنتهم وضررهم على مجتمعات المسلمين.

تعليقات الفيسبوك

الآراء المنشورة لاتعبر عن رأي موقع الإسلام اليوم أو القائمين عليه.
علما بأن الموقع ينتهج طريقة "المراجعة بعد النشر" فيما يخص تعليقات الفيسبوك ، ويمكن إزالتها في حال الإبلاغ عنها من قبل المستخدمين من هنا .
مساحة التعليق تتسع لمناقشة الأفكار في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
  • - الهجوم على أشخاص أو هيئات.
  • - يحتوي كلمة لا تليق.
  • - الخروج عن مناقشة فكرة المقال تحديداً.

تعليقات الإسلام اليوم



تبقى لديك حرف
   

التعليقات

  1. 1- سارة
    05:46:00 2010/08/28 صباحاً

    جزاكم الله خيرا على هذا الموضوع المهم، ومعنى كلامكم أن الرد الشائع على شبهة انتشار الإسلام بالسيف، وهو: لإزالة العقبات التي تقف أمام الدعاة، يبدو أنه رد خاطئ. ومعنى كلامكم أن الدولة التي تعد لحرب المسلمين ولو لم تبدأ لكن علمنا من حالها ذلك، فلا حرج في مبادأتها. وهناك شيء آخر ربما يكون صحيحا، وأنتم أعلم: أن الجهاد تحرير للأمم من حكوماتها الظالمة المستبدة، كالرومان الذين كانوا يحكمون مصر. وجزاكم الله خيرا.

  2. 2- أبو محمد البازلي
    06:01:00 2010/08/28 صباحاً

    كلام جيد وهو كالمقدمة فقط للموضوع ونحب نسمع تتمته من الشيخ سلمان . هل السلف والفقهاء لم يتحدثوا قط عن جهاد الطلب ولماذا السؤال هنا مفخخ ..هو سؤال متداول ومشروع .

  3. 3- محمد خليف
    11:42:00 2010/08/28 مساءً

    حفظكم الله ذخرا للأمة:إذاكانت الآيات الكريمات تتحدث عن القتال في سياق جهاد الدفع .فكيف نفهم الفتوحات الإسلامية في بلاد الفرس والروم هل هي جهاد دفع أم جهاد طلب.

  4. 4- ابو البراء
    06:35:00 2010/08/30 مساءً

    جزاكم الله خيرا

  5. 5- رداد القاسمي
    03:45:00 2010/09/03 مساءً

    جزاكم الله خيرا ..

  6. 6- سلطآن
    12:21:00 2010/09/25 صباحاً

    جزاك الله خير .. ومثل ما أسلف أبو محمد هذه تعتبر مقدمة والموضوع يطول في ذلك .. فياليتنا نستمع من شخينا الفاضل الموضوع بأكمله .. نفع الله بك يا شيخ ..